دخول العامل في ساحة العمل وتحمله لمسؤولية ما، تُستفاد من جهتين حين النظر بعين التفصيل.
الجهة الأولى: هو التكليف الإلهي المباشر، فيكلف الحق من بلغ تلك المرتبة ما يشاء من مسؤولية، ويهب صاحبه كل احتياجات ومقومات ذلك العمل أو المسؤولية، ومنهم من يرجع للحق جل جلاله في كل معطيات عمله، ومنهم من يكتفي بأخذ الأمور الكلية للعمل، ولكلٍ معتقده الذي على أساسه يتخذ طريقه والذي ينبع من مرتبته الخاصة، أعني مستوى علاقته بالحق.
الجهة الثانية: هو ما يراه العامل من احتياج ساحة الخلق، فيصطفي عمله على ما يراه من الخلق لبلوغ غايتهم الكلية او المرحلية، أو أنه يرى أن إزالة بعض الموانع الحائلة دون بلوغ الخلق لمرتبة من مراتب الكمال.
وكلا الجهتين مقبولة في النظام، وإن كنا نميل الى الجهة الأولى لأنها أكثر عصمة وأماناً للعامل.
وفي كلا الجهتين عموماً – وخاصة في الجهة الثانية – يكون نظر العامل وربما دافعه للعمل هو تكميل النظام، وتحريك الخلق من مرتبة كمالية إلى أخرى، ويكون تقديره وأحكامه وما يفتح من خطوط نظامية؛ متولداً عما يصدر من الخلق، ومقدار تفاعل الخلق مع ما خطى من خطوات بذلك الاتجاه. وإن كانت لديه غاية كلية أو هدفاً هو مستهدفه فسوف يكون نظره إلى تلك الغاية، وعليها يكون قياسه من عطاء أو منع أو تحرك أو توقف.
وهذا النظام التعاملي لا إشكال فيه، فهو مُقرّ من قبل النظام العملي العام، لكن هذا الامضاء الإلهي هو امضاء مرتبي، وليس بالضرورة أن يطابق الإرادة الإلهية في مرتبة أخرى.
ومن أكبر أسباب محدودية هذه المرتبة -على ما اوقفنا الحق عليه -هي جهة النظر، والتي منها تكون محدودية العمل، بل ومحدودية التعامل مع الحق في هذه المرتبة.
وبيان ذلك: أن نية العامل هو التقديم للحق عز وجل ولا اشكال في ذلك، لكن المشكل هو في مرتبة ما دون النية، حينما يكون اختيار العمل من قبل العامل على أساس النظر الاحتياجي للخلق، وكذلك حينما يتخذ العامل من العمل الذي أفاده من الحق زاوية نظر احتياج الخلق، هنا سيكون عمله مقيداً بتلك النظرة ومحدوداً بحدودها، وتكون هي الدافع والمحرك للعامل في ما يتخذ من خطوات، لكن إن جعل العامل زاوية نظر قلبه اتجاه حضرة الحق جل جلاله لا إلى احتياج الخلق، حينها سيقف على الإرادة الإلهية في جوانب عمله، وقد تتبدل لديه الغاية على أساس ما يراه الحق جل ذكره، ثم تكون كل خطواته ابتدائية، وليست آثاراً مرتبة على أفعال الخلق أو مرتبته الكمالية أو احتياجه المرحلي أو العام، فيكون متقيداً بالنظرة الإلهية لا نظرته الاستقلالية، فيرى من خلال هذه الزاوية الطريقة المثلى للتعامل مع كل جزئيات العمل، فلا يحركه ما يراه من احتياج الخلق، وقد لا يرى ذلك أصلاً لانشغاله بالنقطة التي ينظر اليها، حينئذٍ يُسّير الحق ذلك العامل على أساس الأسلوب الإلهي في عالم الظهور، ويضع أمامه سُبل تحقيق غاية الحق الجزئية منه – أعني العامل وليس العمل – وسيرى العامل ذلك الاختلاف الكبير من حيث الآثار والنتائج وما بين نظرته الأولى والثانية، وقد يكتشف أن ما يروم تغييره في الخلق هو ما لا يرومه الحق عز شأنه!.
من جهة أخرى أن الفعل الصادر من العامل إن كان ناشئاً عن رؤية العامل للاحتياج النظامي، فإن هذا الفعل سيحمل في مكامنه آثار مراتب كيان العامل، فيحمل النقص والكمال الذَينِ هما سمتا العامل، فيكون عمله صورة عن باطنه تجسدت في عالم الشهادة والظهور، وقد يكون في بواطن العلم الإلهي أنه العمل -يحوي على مفاسد أو لوث باطني دونما يدرك العامل ذلك.