مخــاطر اجتمـــاعية
الطـــــلاق
من المخاطر الاجتماعية التي تهدد بتفكك النسيج الاجتماعي هي مشكلة الطلاق العبثي.
قد يكون الطلاق هو الحل الاخير لبعض المشاكل الزوجية المستعصية، لكن نسبة هذه المشاكل قليلة جدا. وان أكثر حالات الطلاق تقع بسبب أمور تافهة، وبسوء تصرف من الزوج او الزوجة حتى يصل الامر الى الانفصال.
ان حالات الطلاق ازدادت زيادة مخيفة في مجتمعنا وخاصة في الزيجات الحديثة، وأمست أسباب الطلاق كثيرة جدا في حين ان أسباب الطلاق في الأجيال السابقة كانت لا تتعدى سببين او ثلاثة، اما الان فأمسى الطلاق لأتفه الأسباب. وإذا رجعنا الى مسببات هذا التفاوت بين الأجيال السابقة والاجيال الحاضرة فسوف نجد التالي:
أولاً: ان قيمة العلاقة الزوجية قَلّت بنسبة كبيرة في هذه المرحلة.
ثانياً: العلاقات خارج إطار الزوجية، فان لها دوراً كبيراً في تضعيف الاهتمام بالعلاقة الزوجية، والتي أصبحت هذه العلاقات معها سهلة المنال، حيث خفت القيود ورُفِعت الموانع عن قيام هكذا علاقات.
ثالثاً: افتقار أبناء هذا الجيل للتربية الزوجية، فليس هناك من يبين لهم أهمية رابط الزواج وكيفية المحافظة عليه. كان الاهل في السابق يبينون لأبنائهم أهمية العائلة، وسبل المحافظة على الحياة الزوجية، ويقدمون لهم النصائح من خلال خبرتهم وما استفادوه من نصائح السابقين، مع شديد الأسف أصبح مجتمعنا يفتقر الى هذه الروافد والفوائد.
رابعاً: من أسباب التفاوت في نسب الطلاق بين الأجيال السابقة والجيل الحاضر هو النزول الأخلاقي، وأعني به اضمحلال الصفات الحميدة كالصبر والتحمل والتأني والشعور بمسؤولية العائلة وغيرها من الصفات التي كانت تذيب أكثر المشاكل المسببة للطلاق.
خامساً: كذلك من الأسباب التي رفعت نسبة الطلاق هو التعامل مع المشاكل بأقصى الحلول أو آخر الحلول، حيث يتجاوز الزوجان الحلول القريبة ويلجآن الى آخر الحلول، والا فليس كل خطأ جزاءه القتل! فالذي يلجأ الى الطلاق كحل لإشكال او عقاب لخطأ كمن يلجأ للقتل لحل مشكلة او معاقبة مخطئ؛ لأن الطلاق هو قتل للعلاقة الزوجية.
ولأجل الحد من هذه الظاهرة المدمرة، ينبغي على الزوج والزوجة تحمل مسؤوليتهما تجاه هذا المشروع المصيري والذي لا يحدد مصيرهما فقط انما مصير أبنائهما، والذي نراه ينفع في ذلك:
أولاً: اغلاق باب العلاقات المشبوهة، والتي لها الدور الكبير في دمار وتشتيت العوائل، نعم؛ النفس تتوق للتغيير وحب الجديد لكن قدسية رباط الزواج لا تتحمل ذلك ولا تقبل به، ثم ليس كل ما ترغب به النفس يجب أن نسعى اليه، انما ينظر العاقل لرغباته بنظرة عقلية مجردة ويدرس إيجابيات وسلبيات هذه الرغبة فإن كانت ذات ضررٍ وجب عليه ان يكبحها حتى ينهيها من كيانه.
ثانيا: يجب ان يرتكز في عقل الزوج والزوجة أن الطلاق ليس خياراً ولا حلاً إطلاقاً، فيزيله عن ذهنه حتى يُعطي مجالاً لرؤية الحلول الحقيقية التي لم يكن يراها بسبب توجيه نظره للطلاق كحلٍ وحيد. فهناك دائما أكثر من حل لكل مشكلة، فمن خلال التجارب لم نرى مشكلة الا وحلها مرتبط بها.
ثالثا: إزالة الأسباب الدافعة للطلاق قبل وقوعها، من قبيل الإهمال، فحيثما يقع الإهمال من أحد الزوجين للآخر فإن ذلك قد يدفع في المستقبل الى وقوع الطلاق، وكذلك إثارة المواضيع التي تزعج الاخر، وتعظيم صغائر الاخطاء وغير ذلك مما هو واضح لدى الزوج والزوجة.
رابعا: قد يرى الزوج انه أعلى مرتبة من زوجته سواء اجتماعياً أو ثقافياً أو عقلياً أو غير ذلك، وقد ترى الزوجة ذلك، ورؤية هذا التفاضل يؤدي أحيانا الى البحث عن المناسب مما يجعل الزوج او الزوجة تبحث عمن تراه مناسباً لمستواها؛ ومن هنا يبدأ البُعد القلبي بين الزوجين، وهو طبعا ناشئ عن الجهل وقصور العقل، وإلا فإن العقل يحتم على الزوج مثلاً ان كان يرى نفسه أفضل وأكمل من زوجته أن يداري مستواها ويجاريها فيما يصدر عنها، وينزل الى مستواها كما ينزل الى مستوى أطفاله ويلعب معهم، لا أنه يهدم مشروعاً ويدمر أسرةً بحجة البحث عمن تفهمني! انت لا تفهم نفسك وتبحث عمن يفهمك! ؟ عجباً كل العجب! وهذا ينطبق على الزوجة كذلك، فإن كانت ترى نفسها أفضل من زوجها فعليها أن تداري من هو أدنى منها لا أن تبتعد عنه.
خامسا: ليس من وجودٍ لإنسان كامل، فالكل ناقص إنما تختلف صورة النقص من فرد الى آخر، فكما في الزوجة نقائص في الصفات والافعال فكذلك الزوج، فعلى كلا الزوجين تقبل الآخر على ما فيه من نقص وكمال مع محاولة سد النقص ما أمكن وبالطرق الحسنى، وان لم ينجح ذلك فعليك تقبل زوجك كما هو، كما ان الله تعالى متقبلك على كل نقائصك وعيوبك، ولم يرفضك من وجوده أو رزقه أو تدبيره، والا فإن استبدال الزوج بغيره بحجة خلل في شخصيته او نقص في صفاته لن يوصل إلّا الى استبدال ناقص بناقص.
فلا تسير الحياة الزوجية إلاّ بقبول الشريك كما هو.
منتظر الخفاجي