موقع مقام العمل من خط الكمال 1

موقع مقام العمل من خط الكمال

   يتشرف طالب الكمال بدخول مقام العمل الإلهي بعد ان يكمل الدائرة الأولى من الكمال العرفاني، والتي يتحقق تمامها عند الوصول الأول، وهو الوصول السطحي، أي بقاء ما بعد فناء الفناء، حينها يدخل العارف في نظام العمل الإلهي ليكون من عمال الله تعالى، وليس كل من أتم دائرة الكمال الأولى استحق ان يرتقي الى هذا المقام، حيث أَنَ لهذه المقامات خصوصيات ينبغي أن تحويها اركان كيان العارف، والتي تكون ركيزته في استمرار مسيره العملي حتى يبلغ مقام التدبير، ويكون جزءاً من عالم التدبير العلوي أو السفلي على حسب ما أَودع الحق في باطنه من أصول الصفات فهي الفيصل في انتسابه لأحد هذين العالَمَين.

إنّ المسير العرفاني الذي سار عليه اسلافنا – رضوان الله تعالى عليهم – جوهره المعرفة على اختلاف مراتبها حين المسير، والتي تبدأ بالمعارف العقلية، ثم الكشفية فالذوقية فالشهودية، ومحصلها الاقتراب من الكمال المطلق لأجل تحقيق الغاية الكلية من الوجود بالصورة الإنسانية، ثم التجرد من تلك الصورة لأجل تحقق الرجوع الى الموطن الأول.

نعم تلك النظرة المترتب عليها نوع المسير صائبة ولا غبار عليها، لكنها نظرة اقتصرت على رؤية غاية واحدة من أصول النظام العام، لهذا نرى أكثر أَرباب الباطن اعزف عن النزول الى ساحة التكليف العام، واقتصر على الغاية الواحدة، وهي الوصول الى الجوهرية ( التي يراها هو جوهرية ).

وهذا وإنْ كان يخدم العارف نفسه في كماله الخاص لكنه سيضيق فائدة دائرة الكمال العام من جهة ذلك العارف، نعم أَغلب العرفاء إن أراد النزول إلى عالم الشهادة، ويكون له نصيب من العمل على تكميل صور عالم الشهادة، فانه سيقتصر على عالم التربية الباطنية والتي هي من جنس تكليفه الخاص، وهنا سنخسر نقل الأَنفاس الإلهية إلى الأركان الأخرى لعالم الشهادة.

ثم أَن التكليف الإلهي للواصل لا على أساس احتياج عالم الشهادة، وانما المنظور له من إرادة العارف نفسه، فليست ثمة فرض او اكراه في هذه المرتبة.

وهذا من ضمن الأسباب التي أدت الى تسافل أو توقف الكثير من خطوط الأنظمة في عالم الشهادة، بل أن هناك خطوطاً في النظام أُهملت وأصبحت معطلة، وهذا رأيناه عياناً حينما أوقفنا الحق تعالى على سير الأنظمة.

لذلك كان لزاماً علينا أن نبين أنّ طلب الكمال والسير لإدراك الغاية ليس مانعاً عن النزول الى تحريك عالم التصاوير.

إِنّ نزول الحق جل جلاله الى عالم التكوين، وارتداءه ثوب الصفات العملية، والولوج الى كل خطوط الأنظمة، والعمل في التكميل الجزئي لهو داعٍ لنا إلى النزول لتلك الساحة كعمال تحت تصرف الحق جل جلاله، اما النأي بالنفس خوفاً من تلوث الثوب او لان النزول الى المرتبة الفلانية لا يناسب ما انا فيه، فهذا سيُبقي بقية الخلق في طغيانهم يعمهون.

ويجب علينا أنْ نعي أنّ الأنظمة ليست ثابتة، بل هي في تبدل، فما اعتدنا عليه من نظام سابق قد يكون عَرَضَ له التبديل او التغيير؛ لذلك على أرباب العرفان ان يساوقوا التغيرات والتبدلات التي تعتري الأنظمة الجزئية.

إنّ الرسول الأعظم كان له تكليفان على وجه العموم وهما؛ تكليفه الخاص المؤدي الى تكامله، وجوهره علاقته بالحق، وتكليفه العام الذي يؤدي إلى تكامل الخلق، والذي هو ترتيب وتنظيم حياة الانسان الدنيوية والأخروية، وقد نزل عليه السلام إلى أدنى مراتب البشرية في تعاملاته، وأوصل الأنفاس الإلهية إلى أغلب المراتب البشرية.

ثم أن أعلى ما يصل إليه طالب الكمال من مراتب ومدارج؛ غايتها التحقق في العبودية المحضة، والتي منها ينبثق العمل الإلهي، حينها يكون عاملاً لله تعالى في أرضه أو سماءه، فكان صلى الله عليه وآله عبده أي تحقق في مقام العبودية، ثم شرَّفه بالعمل الرسالي، فكان رسوله في تكميل عباده.

فليس مِن خروج مِن دائرة الكمال حتى يتكامل آخر مخلوق فيها.

اترك تعليقاً