من كتابنا (رسالة في الكلمة)

أسباب الاختلاف في فهم الكلمة الواحدة

من كتاب (رسالة في الكلمة) أسباب الاختلاف في فهم الكلمة الواحدة 1
يحصل كثيراً عندما تجلس مجموعة للاستماع الى حديثٍ ما او خبرٍ ما او قراءة موضوع معين، نجد أن بعضهم يفهم من الكلام بخلاف ما يفهمهُ الآخر؛ بل قد يصل الأمر الى درجة ان ما فَهِمَهُ كل واحد منهم على طرف نقيضٍ مما فهِمهُ الآخر، وهنا يبدأ الجدل بينهم، علماً ان الكلمة هي نفسها لم تتبدل! فما سبب ذلك؟
إن التباين في فهم الاحداث عموماً والكلمة خصوصاً يعود لعدة أسباب، واهم هذه الاسباب هي:
السبب الأول: اختلاف مستوى المتلقي، فإن اختلاف مستوى من يتلقَّون الكلمة – سماعاً أو قراءةً – والمتمثل بالتفاوت الفكري والثقافي والنفسي والصفاتي وما انطوى عليه كيان الإنسان؛ يعني بحد ذاته اختلاف في مرتبة النظر، فعندما يكون الشخص أكثر ذكاءاً فهذا يعني انه ينظر من الزاوية الأعمق من كلام المُتكلم، ومن يتمتع بمستوى عقلي بسيط فسوف يلتفت عقله تلقائياً إلى المعنى السطحي للكلمة، ومن هنا تختلف الفهوم.
السبب الثاني: من أسباب الاختلاف في فهم الكلمة، هو الربط الذهني الذي يقوم به المُتلقي، ومعنى ذلك أن المُتلقي في بعض الاحيان يربط كلام الناطق بأمرٍ ذهنيٍ موجوداً لديه مسبقاً؛ بسبب مناسبةٍ جزئيةٍ بين الكلمة وبين ما في ذهنه، حينها يفقد المعنى الكُلي للكلمة لأجل المناسبة الجزئية، فيفهم الكلام على أساس ذلك الأمر الموجود في ذهنه مسبوقاً.
السبب الثالث: تحريك الكلمة لخيال المُتلقي. فعندما تلامس الكلمة خيال المُتلقي -وهذا يحدث غالبا عند أصحاب الخيال الخصب- فقد تفتح لديه جانب من خياله والذي بدوره يسوق الكلمة الى أخصب نقطة من خياله وبالتالي تنحرف بالكلمة عن مسارها الذي أُريد لها.
وكذلك في بعض الأحيان يكون هنالك سبقٌ في خيال المستمع، فيسبق بخياله كلام المُتكلم، كمن يأخذ عبارة معينة ويعالجها خيالياً أو يُحلّق بها بخياله؛ حينها لابد لبقية الكلام أن يُساير هذا الخيال من جهة المناسبة وان كانت جهة التناسب طفيفة او وهمية، حينها يكون هنالك فهماً من زاوية خيال المتلقي وليس من زاوية مراد المتكلم.
السبب الرابع: جذب الكلمة لرغبة داخلية يريد المتلقي تأكيدها أو ضربها وتفنيدها؛ فيكون في حالة تهيئ لاستقبال أي اشارة او كلمة تؤيد رغبته او تحقق مراده، حينها سيكون نظره منطلقاً من زاوية هذه الرغبة فيحاول ربما لا شعورياً ان يَلْوي عنق الكلمة لأجل جذبها الى رغبته.
السبب الخامس: هو اختيار الكلمة من قبل المُتكلم او الكاتب، فهناك من الكلمات ما لها القابلية على حمل عدة وجوه، سواء من وجوه المعاني أو وجوه أحوال المعاني، فيفهم منها كل مستمعٍ الوجه الأقرب اليه ويبني بقية الكلام على أساس الوجه الذي اختاره.
السبب السادس: تحميل الكلمة لعدة أهداف أو غايات من قِبل المُتكلم غير ظاهرة في صورة الكلمة، وهذا ما يؤثر اثراً غير مُدرك على المستمع، فإن للأثر النفسي من جهة ناطق الكلمة دوراً فاعلاً في تكوين الكلمة لا من جهة اللفظ أو المعنى وانما نستطيع أن نصطلح عليه بجهة روح الكلمة. عندئذ فإن كل متلقٍ سيميل الى الغاية التي تناسبه منها.
وهذا الموضوع فيه كلام طويل ويحتاج الى دراسة معمقة.
 
منتظر الخفاجي

اترك تعليقاً