الأربعينيـة عطــاء مخصوص
إن من العطاء الذي خص به الله شيعة أهل البيت هي الزيارة الأربعينية، والتي حوت على جوانب من العطاء المعنوي قد لا يتيسر للفرد الحصول عليها طيلة حياته العادية، ومن وجوه هذا العطاء:
الوجه الأول: أنها انطوت على مستوى متوسط من مستويات كسر شوكة النفس الأمارة بالسوء، من خلال الصعوبات التي يعيشها السائر حين سيره – كلٌ على قدره – ، فيدخل السائر بأدائها في الجهاد النفسي الاختياري.
الوجه الثاني: أن فيها تقوية لإرادة الفرد، فإن في الأفعال الصعبة استخراج لمرتبة جديدة من مراتب الإرادة المودعة في مكنون الإنسان، والتي لا يتيسر إخراجها إلا بالصعوبات الاختيارية.
الوجه الثالث: الانقطاع والابتعاد عن الدنيا وحطامها، فإن السائر خلال فترة مسيره التي تدوم أيام سوف ينقطع عن دنياه ويخرج عن جوها الى جوٍ آخر مضاد لها، جو إيماني خالص، وهذا ما تخلو منه حياة الفرد إلا في موسم الحج أي مرة في عمره. وهذا الانقطاع يحول دون الالتصاق الكلي للفرد بدنياه عموماً.
الوجه الرابع: إن الفرد الذي يحيي هذه الشعيرة ويعيش أجوائها ويتنفس نفحاتها، يكون مجبراً على الالتفات الكلي لأمر آخرته لغلبة الجو الايماني، فتزول طبقة من الغفلة الحاجبة عن النظر لوضع الفرد الأخروي.
الوجه الخامس: إن الحال المعنوي لهذا الحدث، له من الأثر -والذي أدركناه ذوقاً- ما يحفز الصفات الفضلى الكامنة في صدر الانسان الى الظهور والتَفَعُّل العملي أي البروز الى ساحة التطبيق، وبالتالي عدم ضمور واضمحلال هذه الصفات ، لأن الصفة إن لم تُفعّل اضمحلت واندثرت في باطن الإنسان.
الوجه السادس: من طبيعة كل إنسان حب الاستقرار على ما نظّمه أو انتظم عليه من جزئيات حياته، لكن خلال فترة المسير سوف يهدم هذا الاستقرار بسبب تغيير مفردات حياته الرتيبة، فيخرج من حال الى حال جديد وهو نوع من التغيير الذي قد يلازم تغييراً من جهة الله تعالى لهذا العبد.
الوجه السابع: إن ما يأتي به السائر خلال فترة مسيره من ذكر الله تعالى ومناجاته وقراءة القرآن والتفكر والصلاة وغيرها، وهو في هذا الجو الخالي من مشاغل الدنيا ستكون عباداته تلك من أعلى وأنقى عباداته، بالتالي يكون قد ارتقى بمستوى حسابه ( وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ سورة الزمر اية 35 ].
الوجه الثامن: إن هذا الحدث داعٍ لتقوية علاقة الفرد بربه وتجديدها عن طريق تجديد علاقته بأولياء الله تعالى.
إذن هي رابط متجدد سنوياً بساحة الحق تعالى عن طريق أوليائه. فأكرم به من عطاء، وهنيئاً لمن فاز به على أكمل وجوهه.
وفقكم الله تعالى
ووفقكم الله تعالى لكل خير
دمتم سماحة ابونا الحبيب ودام فيضكم وعطاؤكم ادام الله سبحانه وتعالى وجودكم
ادام الله تعالى وجودكم