الإستعــــاذة

الإستعاذة 1

    الفرد بطبعه حينما يعمل أي عمل صالح، سواء كان عبادياً أو اجتماعياً، يرجو أن يخرج ذلك العمل خالصاً من العقبات والشوائب المفسدة أو المعرقلة له، وأن يحقق من خلاله ما يرجوه بالصورة الكاملة، لكن ذلك لا يتيسر للمرء دائما حيث كثرة المعوقات والمفسدات، التي ربما تحول دون صدور الفعل أو دون خروجه بالصورة الكاملة، وكثيراً ما عايشنا ذلك.

     ومن ابرز المعوقات للأفعال المنتجة –أعني أفعال الخير والصلاح-هي عقبة الأثر الشيطاني، حيث أن عمل هذا الكائن بما تقتضي دنو مرتبته – سواء أكان من الجن أو البشر- هو محاولة إفساد وإبعاد الإنسان عن كل ما فيه مصلحة له، وذلك عبر أساليبه المعروف أغلبها. فكان لزاماً على من يريد إنجاح عمله أن يتغلب على هذه العقبة، لكي يحقق إرادته من فعله.

    فما هو الأسلوب أو الطريقة الصحيحة لإزالة هذه العقبة؟.

    المعروف بين عامة أهل الخير والصلاح إن الطريقة الأمثل لإبعاد الأثر الإفسادي هو بالاستعاذة من الشيطان قبل البدء بالعمل أو قُبَيله، فيستعيذ الفرد عند إرادة الصلاة أو قراءة الكتاب أو عند إلقاء موعظة أو كلمة إصلاح أو عند عقد العقود وغيرها، يستعيذ من الشيطان، وكل على حسب اهتمامه والتفاته. 

     لكننا نسأل: هل هذه الطريقة تعطي نتائج كاملة تُرضي صاحبها؟ فهل أن الفرد عندما يتعوذ من الشيطان وإفساده يخرج عمله منزهاً من الأثر الشيطاني؟ وعندما يُزين الشيطان للفرد فعل معين أو يُجمّل صور شهوانية في نظره، عند التعوذ هل تضمحل تلك الصورة؟ …. حسب تتبعي إن الأغلب من الناس سيجيب بكلا، من خلال تجاربهم أنفسهم.

     وعليه ينبغي علينا أن نعرف ونفهم، هل هذه الطريقة أو الأسلوب العلاجي غير ناجع ولا فائدة منه تُرجى؟ أم أن الخطأ في تطبيق الأسلوب؟.

     جوابه: إننا نعلم يقيناً أن هذه الأسلوب ليس أسلوبا اجتهاديا بشرياً، إنما هي طريقة ربانية ممضاة من قِبل الحق سبحانه، وهو علاج أُنزل إلينا من فوق سبع سماوات، ممن خلق الشيطان وخلق له قابلية التأثير. إذن هذه الطريقة معصومة من الخطأ، وهي الطريقة المثلى لتجنب أثر الشيطان والتخلص منه بعد حلوله، وإن تنزلنا فهي إحدى الطرق. 

    فلا يبقى أمامنا إلا الاحتمال الثاني، وهو الخطأ في تطبيق هذا الأسلوب واستعمال هذا العلاج أو هذه الحمية. وعليه يتوجب علينا أن نرجع إلى أصل الطريقة لنرى أين أخطأنا وأين جهلنا. 

     يبين لنا الكريم جل جلاله هذه الطريقة، والتي لولا بيانه لبقينا جاهلين بأثر الشيطان والتخلص منه إلى يوم القيامة!. يقول جل وعلا: { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [سورة الأعراف اية 200] ويتكرر ذكر هذا العلاج في عدة مواطن من الكتاب العظيم وبصيغ مختلفة باختلاف مداخل النفوس .

     الذي يُفهم من النزغ أنه أول مراتب الأثر الشيطاني، فإن تمكن من صدر الإنسان تحول إلى مس، والذي سيحتاج معه الفرد –أعني المس- إلى جهد مضاعف للخروج من وطأته.

     وهذا الأسلوب –أعني الاستعاذة- لا يقتصر على التخلص من الأثر بعد وقوعه وإنما يصلح أن يكون عاصماً وحامياً من حلول الأثر الشيطاني أصلاً، حيث يقول سبحانه: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [ سورة النحل اية 98 ] وذلك للخروج من دائرة سلطة الشيطان حين القراءة أو الذكر.

     فتُقرر الآيات الكريمات أن التخلص من النزغ وأخوته هو بالاستعاذة بالله تبارك وتعالى، وهذا لا غبار عليه.

   بقي أن نعرف ماهية الاستعاذة، وهل هي قولنا: أعوذ بالله، أم هي غير ذلك؟.

     حسب ما ذكر أرباب اللغة، أن الاستعاذة: هي [ الالتجاء إلى الغير والتعلق به ]. أي إنها لجوء قلبي ونفسي الى الله تعالى مع التعلق به، وليست هي قولنا أعوذ بالله، فإن القول غير اللجوء والتعلق. والذي أراده سبحانه منا هو الالتجاء الحقيقي من الخطر الداهم وليس أقل، ولو أرد القول دون الفعل أي دون الالتجاء القلبي، لقال: فإذا قرأت القرآن فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

      وعلى ذلك تكون الاستعاذة الصحيحة هي الالتجاء الكلي من قِبل الإنسان لربه، كمن يعيش موقف خوف وخطر ويستجير بغيره. وهذا الفعل هو المؤثر بالإرادة الإلهية والداعي لإنزال الحماية الربانية من الأثر الشيطاني، نعم كون القول هو الصورة الظاهرة لذلك الفعل القلبي لا بأس به.

     ثم أنه جلت قدرته بيّن وفصّل هذا الأمر في مورد آخر، لكي يزيل الركون النفسي إلى دواني الأفعال، فقال جل ثناءه: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } [ سورة النحل اية 98-99-100 ] والمعنى: أن واقع الاستعاذة هو الإيمان بالقدرة الإلهية على إزالة أثر الشيطان أو تعطيل سلطانه، ثم الالتجاء والاعتماد اعتمادا كلياً على هذه القدرة، وليس حقيقة الالتجاء إلا التوكل، والذي هو طلب تدخل الإرادة الإلهية في مطلبك. فنفى سبحانه أي سلطان للشيطان على الملتجأ لله تعالى التجاءً حقيقياً، وقيّد سلطة الشيطان بالذين لا يستنكرون فعله والذين يشركونه بأفعالهم، أي يعطوه المساحة للدخول في أعمالهم.

     فالنتيجة التي نخلص إليها: هي أن الاستعاذة المنجية والمقيِّدة والمجرِدة للشيطان من سلطته هي الالتجاء القلبي الحقيقي لله سبحانه وتعالى، عندئذٍ يتنحى الضعيف ويتولى الأمر العزيز اللطيف. 

والحمد لله على جوده وعطاءه

This Post Has 4 Comments

  1. ms20m

    شكرا لله تعالى

  2. ms20m

    حفظكم الله تعالى شيخنا

اترك تعليقاً