الافراطُ العاطفيُ
مِن التصرفاتِ السِلبيةِ التي تُساهمُ في تشتتِ الأُسرةِ، هو التعاملُ العاطفيُ الزائدُ مِن قِبَلِ الأبوينِ، فمِن غريزةِ المحبةِ لدى الأبوينِ تِجاه أبناءِهما تتولدُ العاطفةُ، والتي إن زادَت عن حدِها خَلّفت أثاراً سِلبيةً في تربيةِ وتقويمِ الأُسرةِ.
ففي الكثيرِ مِن مواطنِ الإصلاحِ أو تقديمِ الأَولى للأُسرةِ، قد تَقِفُ العاطِفةُ حائلاً في طريقِ تَحقيقِ تِلكَ المصالحِ، فحينما يحتاجُ الأبناءُ إلى درجةٍ من درجاتِ الضغطِ النافِعِ في بناءِ شخصيتِهم، وتَقفُ عاطفةُ الأُمِّ أو الأبِّ مانعاً عن تحقيقِ ذلك، فإنهم بذلك قد أضَروا بأبنائِهم، حينها نكونُ قد أفسَدنا مِن حيثُ نُريدُ الإصلاحَ! وقد رأينا الكثيرَ مِن الأبناءِ الذين بَلغوا مَبلغَ الرجالِ ومازالوا أغرَاراً لا يَقدرون على شيءٍ، والسببُ هو عاطفةُ الأبوينِ التي مَنعت تَكليفَ الأبناءِ بما يُناسبُ قدرتَهم، وبالتالي سوفَ نُنشئُ جيلاً هزيلاً عالةً على غيرِه.
لذلكَ على الأبوين أنْ لا يَجعلا العاطفةَ خارجةً عن نطاقِ وسلطانِ العقلِ، إنما يُعمَلُ بالعاطفةِ حينما يَرى العقلُ الحاجةَ لذلك، وليس أن تُطلَقَ العاطِفةُ إطلاقاً أعمى، فإن الصعوباتِ هي مَن تَبني الرجالَ وتُخرِجُ إمكانياتَهُم الداخليةَ مِن حَيزِ القوةِ إلى حَيزِ الفعلِ، حينها سوفَ تُنشِئُ أبناءاً قادرينَ على مواجهةِ الدنيا ومُسايرَةِ أحداثِها، فلأجلِ تَجنُب أضرارَ العاطفةِ الأبويةِ يَنبغي أن تُعرضَ الأفعالُ العاطفيةُ على العقلِ، أي تُدرَسُ فوائدُ وأضرارُ الفعلِ العاطفي دراسةً عقليةً مجردةً، فإن حَكَمَ العقلُ بأصلحيةِ الفعلِ العاطفي فَعلناهُ، وإن حَكَمَ بخلافِه نَضغطُ على أنفسِنا ونُحَققُ حُكمَ العقلِ الذي يعني تقديمُ مصلحةَ الأبناءِ على مصلحةِ أنفسِنا، لأنَّ النظرةَ الواقعيةَ تقولُ: إنَّ تحقيقَ الفعلِ العاطفي هو لأجلِ دَفِع الألمِ المُحتملِ الذي قد يَتعرضُ له الأبوانِ حين مخالفةِ العاطفةِ، إذاً هو صادرٌ عن أنانيةٍ، فتدفعُ ألمَكَ على حسابِ مَصلحةِ إبنِكَ وتلكَ هي عينُ الأنانيةِ، ثُم لن تُخلِّفَ لكَ تلكَ العاطفةُ إلا ألماً مُستقبلياً حينما تَرى إبنكَ ضعيفاً ولا يَقدِرُ على مُجابَهةِ المُجتمعِ الذي يَعيشُ فيه.