الانتحار

كنا نستغرب حينما نسمع في الأخبار عن حالات الانتحار في المجتمعات الأخرى، ونستنكر طريقة تهويل المشاكل الصغرى بحيث يكون حلها الوحيد هو الانتحار. الآن أمسى حالنا حال تلك المجتمعات فتصاعدت حالات الانتحار في مجتمعاتنا وعلى أتفه الأسباب.
ليس هنالك سبباً حقيقياً موجبا للانتحار وإلا لرأينا له تشريعاً في الشرائع السماوية أو الوضعية، فلا يصلح أن يكون الانتحار حلاً لأي نوع من المشكلات والضغوطات أو أي كمٍ منها.
كل الأسباب الدافعة للانتحار تتوحد بنقطة واحدة وهي الضغط الشديد، فحينما يتعرض الإنسان لضغط يتوهم أنه يفوق قدرته على التحمل فسوف يحاول التخلص منه وبأسرع وقت، فيرى أن الانتحار هو الحل الأنسب. ومؤكد أن هذه الضغوط نسبية فما يراه أحدنا ضغطاً شديداً قد يجده الآخر ضغطاً متوسطاً، وقد يَعدِل الإنسان العازم على الانتحار بكلمة واحدة تدفعه إلى إلغاء ما نوى الإقدام عليه أو يكون المانع ذكرى قدحت في ذهنه، إذن يبقى الانتحار هاجس قد يُدفع بفكرة أو بخاطرة.
وعليه، ليس السبب في الانتحار هو الضغط الشديد وإنما هو ضعف التحمل، فمثلاً ابن القرية يمر بنفس مقدار الضغوطات التي يمرّ بها ابن المدينة وربما أشد فلماذا لا يفكر في الانتحار؟! والسبب هو قوة تحمله للشدائد، وجلادته حين المكاره.
إن الأضرار التي يخلفها الانتحار لا تقتصر على المنتحر نفسه بل تعم عائلته وأصدقائه وكل من له علاقة به، فسوف يُخلّف ألماً في قلوب أحبائه لا ينتهي بأمدٍ قصيرٍ، بسبب تصرف أناني أقدم عليه الفرد أراد ان يتخلص من الألم حتى لو سبّب ألماً لغيره!!.
ان الدَعَة والترف الذي يعيشه الفرد لهو من ضمن الأسباب الدافعة للانتحار، لأنها تتسبب بخلق إنسان ضعيف أمام الشدائد، انهزامي أمام الآلام.
ولكيلا يصل الفرد لتلك النقطة الدافعة للانتحار والتي لا رجعةَ فيها، ويقاوم حالة اليأس التي يعيشها ويتغلب عليها، لابد أن يلتفت لبعض الأمور:
أولاً: ينبغي على من يفكر في الانتحار أن ينقل تفكيره ولو بنسبة قليلة من نقطة التفكير بالانتحار إلى نقطة الألم الذي سيسببه لمن يحبه، وهذا سيساهم بتضعيف دافع الانتحار.
ثانياً: إن الأيام كفيلة بإزالة أشد الآلام وعلاج أقسى الجروح، فما يعانيه الآن بعد برهة من الزمن سيتلاشى.
ثالثاً: يجب أن نعي أن الانتحار هو هروب من ألمٍ لألمٍ أشد منه، فإن عاقبة الانتحار لا تُحمد ولا تُحتمل حينما نقف أمام الجبار جل جلاله لننال استحقاقنا.
رابعاً: على الفرد أن يُبعد الخواطر الداعية للانتحار وأن يزيلها من عقله، فإن هذه الخواطر إذا تمكّنت من عقل الإنسان دفعته لتحقيق الفعل، فيجب أن يدفع هذه الخواطر عن ذهنه ما أمكن إلى أن يقل تأثيرها ثم تضمحل.
خامساً: إن الانتحار الناشئ عن الانتقام هو تصرف في أقصى درجات الغباء، فمّن تقتل نفسك من أجل إيذاءه سوف يعيش ويمارس حياته، وأنت تُقاسي الأمرَّين تحت التراب.
سادساً: على الإنسان الذي يمر بضغطٍ شديدٍ أن يُبعد عن ذهنه تماماً إن الانتحار هو أحد الخيارات ويتخذ ما يشاء من خيارات أخرى.
سابعاً: إنْ حَبَستَ المشكلة داخل عقلك فقد أصبحتَ حبيسها، حينها سوف تفعل بك الأفاعيل، فإن مررت بمشكلة فلا تدخل في عمقها ولا تندمج في جزئياتها، إنما خُذ أول ما يطرأ لك من علاج وانهِ الأمر، وان لم تصل إلى علاج فاخرج المشكلة من عقلك بأي طريقة كانت، بعدها سوف ترى الحل المناسب لها، أما إذا تركتها تأخذ مساحة من كيانك فسوف تهيمن عليك وتشغل عقلك وخيالك وكل مشاعرك، حينها ستستنزف كل قواك، ثم تدفعك إلى أسوء الحلول. حفظنا الله تعالى وإياكم من شرور أنفسنا.
منتظر الخفاجي
شارك هذا الموضوع:
- انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة) فيس بوك
- انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة) Telegram
- انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة) WhatsApp
- النقر للمشاركة على X (فتح في نافذة جديدة) X
- اضغط للمشاركة على Pinterest (فتح في نافذة جديدة) Pinterest
- اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة) طباعة