التأثير الكلامي
حينما يمسك شخص بعصا ويحاول ضرب شخص آخر يبعد عنه عشرة أمتار ويضل يلوح بعصاه، فإنه مهما جهد نفسه لن يؤثر بجسد ذلك الشخص، لأن نظام الاجسام يقتضي أن يكون هنالك تماس بين الاجسام لإحداث الأثر، وإلا فلن يؤثر صاحب العصى سوى بجسيمات الهواء التي لامستها عصاه.
كذلك الامر بالنسبة للأشياء اللامادية، فالكلمة والتي هي مجموعة أصوات ممتزجة فإنها تؤثر بملتقطات ومستشعرات أُذن الانسان فهذا أقصى أثر لها من حيث تأثيرها المادي أو شبه المادي، بما أن الأصوات ترجع لعالم المادة، لكن الأثر المعنوي للكلمة، وأقصد به ما تُخلف الكلمة من أثر في قلب السامع أو عقله أو تغيّر في معتقداته أو تدفعه للحركة من نقطة الى أخرى، هذا التأثير قطعاً ليس لصوت الكلمة لأننا ذكرنا أن حدّ الصوت هو ما يناسبه من الجسمانيات وهي المستشعرات السمعية، إما الأثر في ذلك التغيير فهو لما تحمل الكلمة من الطاقة المعنوية المجانسة لمستقبلاتها المعنوية في كيان الانسان، فأثر الكلمة على تصرفات الانسان وعواطفه هو بما حُمّلت تلك المقاطع الصوتية من طاقة معنوية .
عندما تُحمَّل الكلمة بطاقة معنوية من نوعٍ ما فإن أثرها سيكون في الجانب المستقبِل لذلك النوع من كيان الانسان وعلى مقدار ما تحمل يكون مقدار الأثر، وكلما حملت الكلمة طاقة معنوية أكبر كان تأثيرها أعظم، شبيه العصا التي إن كانت حركتها قوية فإن أثرها على الجسم المتلقي سيكون أبلغ.
لهذا نرى تفاوتاً في تأثير الكلمات بالنسبة للمستمعين على الصعيد المعنوي، والكثير منه لا نجد له أي أثر تغييري في حياة السامع واتجاهه القلبي أو العقلي.
إن المتكلم الذي يحيي كلمته ببث روح المعنى فيها من خلال ايمانه بما ينطق به واعتقاده الراسخ بكلمته الناتج عن تطبيقه لمعناها، وتجريد كلمته من المصالح الذاتية الدنية ورفع مستوى كلمته من خلال تطهيرها من لوث حب الظهور وطلب المديح وغيرها، فإن هذا الأثر المعنوي سوف يتخلل تلك الكلمة وتكون أصواتها عبارة عن ظرف لحمل هذه المشاعر والمعتقدات الى الجانب الملائم لها والذي خُصص لاستقبالها وبالتالي ستولد أثراً لدى السامع، وكلما حملت الكلمة قوة معنوية عميقة كان أثرها اعمق لدى السامع، أما الكلمة التي خلت من معنوياتها فقد خلت من حياتها فستمسي أصواتاً فارغة لا يتأثر بها الا ما يناسبها وهي المستشعرات السمعية ، وهذا ما نراه مع شديد الأسف في الكثير من كلام المتكلمين والخطباء.
فعلى من أراد التأثير في المستمع وزرع الغايات الصحيحة في قلب مستمعه أو تحريكه من نقطة الى أخرى عليه أن يملأ كلمته بالطاقة المعنوية المناسبة والموافقة لنظام التأثير. وشكراً.
منتظر الخفاجي