الصدر الشهيد لمن ألقى السمع وهو شهيد (تكملة القول الثاني)

الصدر الشهيد لمن ألقى السمع وهو شهيد (تكملة القول الثاني) 1
(تكملة القول الثاني)
من كتابنا
الصدر الشهيد لمن ألقى السمع وهو شهيد
في النظام العام
ثالثاً- ساحة الاختيار:
ونعني بذلك أن الساحة البشرية في مفرداتها الفعلية والقولية وكل تصرفاتها، محدودة بحدود معلومة، وإن قانون الموت والولادة يسري على هذه المفردات.
وتفصيل ذلك: كل ما يصدر من الإنسان من أقوال وأفعال وتصرفات لا تخرج عن ثلاثة عوالم إجمالاً:
عالم النفس: والذي يصدر منه كل الشهوات والرغبات وما هو بمستواها، وما يتفرع عنها من الخواطر والصور والخيالات والأمنيات والعواطف وغيرها.
عالم العقل: والذي يصدر منه الأفكار والاستنتاجات والإدراكات والتمييز والجمع والتحليل وغيرها، وكذلك الصور الذهنية والذاكرة وما يلازم ذلك.
عالم الروح: وما يصدر منه من معارف وذوقيات كالكشوفات والمشاهدات والتجليات وغيرها.
فهذه إجمالاً هي أركان الإنسان الرئيسية، وهذه الأركان من كيان الإنسان متصلة كلٌ بالعالَم الذي تولَدُ منه، فالنفس من عالم الملكوت والعقل من عالم الجبروت والروح من عالم الحقيقة المطلقة، فأركان الإنسان هذه غير منفصلة عن عوالمها.
وعلى أساس هذه المقدمات فإن المفردات التي تتكون منها ساحة التصرفات البشرية هي من هذه العوالم، فحينما تفرِضُ العوالم العليا عشرة مليارات مفردة فإن الإنسان يتحرك داخل تلك المفردات وليس له الخروج منها، وإن أراد الخروج فسوف يخرج من مفردة الى مفردة أخرى مفروضة، وإذا أراد أن يبتدع مفردة جديدة فليس لديه سبيل إلا عقله أو نفسه أو روحه وكلها ليست تحت سلطانه؛ لذلك قلنا إن بمقدور العقل أن يَستنزِل لا أن يَبتدِع.
ويتحصل من هذا الأمر، إن موارد اختيار الإنسان وان كان يظنها مطلقة لكن في الواقع هي محدودة.
نعم بين الحين والأخر، بمعنى أنه كلما تكاملت البشرية وقطعت شوطاً في مسيرها أُنزِلت حزمة جديدة من المفردات سواء على أصحاب العقول والمفكرين أو على أصحاب النفوس أو أصحاب الأرواح.
رابعاً- الغاية:
ومُحصلها، بما أن المُُسَلّم لدينا أن الغاية هي الكمال، فالبشرية في مسير تكميلي دائم وبما أن الكمال لا نهائي فيكون المسير لا نهائي. والكمال هو سد النقص أو إضافة شيئاً جديداً سواء كان داخلياً أو خارجياً، وهذه الإضافة لابد أن تتولد من حركة سواء أكانت حركة داخلية، أعني من داخل ذات الإنسان كالتفكر وغيره أو خارجية كأعماله المعروفة، إذ أن كل حركة للإنسان لابد أن تعطيه شيئاً، حسناً كان هذا الشيء أو سيئاً، وكِلا الشيئين مُسَيرٌ نحو الأهداف كما ذكر سيدنا – قدس –.
وعليه، فكل حركة تضيف للإنسان كمالاً تصاعدياً أو تسافلياً سواء شعر بذلك أو لم يشعر، والإنسان مُجبر على الحركة، فإن توقف عن الحركة الجسمانية فلن يتوقف عن الحركة النفسية أو العقلية الى أن يموت.
وعلى أساس ذلك، فكل حركة تصدر من الإنسان تدفعه نحو الأهداف العليا.
وهذه هي أهم القيود التي تُفسِر المسير الإجباري للبشرية نحو أهدافها.
دفعُ شُبهة
قد تحصل شبهة لدى من يقرأ قول السيد –قدس– ومؤداها: إذا كان القول والفعل الحسن والسيء يوصل الى الأهداف فما الفرق بين الحسنة والسيئة؟ ولماذا يحاسب المسيء ويُعاقَب على إساءته؟
ودَفعُ ذلك يكون من جهات:
الجهة الأولى: إنما قول السيد الشهيد –قدس سره– هو من جهة النظر الى العالَم الأعلى وليس مرتبة التشريع، أي إن السيد –قدس– تكلم عن عالم التخطيط الأول وهو عالم الجبروت والذي هو أعلى بمراتب كثيرة من مرتبة التشريع، حيث هناك تختلف الاعتبارات والمقاييس، ومنطلق كلامه من زاويتين، الأولى الأهداف العامة لكل البشرية سواء كانوا متدينين أو غير متدينين. والثانية هي الأفعال المجردة، أي مع غض النظر الى مناسبتها أو عدم مناسبتها للعوالم والمراتب الدنيا.
الجهة الثانية: حين النظر الى الأقوال والأفعال من زاوية مرتبة التشريع فالمحُسِن يُجازى والمُسيء يُعاقب وهذا لا دخل له في تحقيق الأهداف العليا، إنما له مدخلية في مسير الفرد نفسه. فمن أحسن في أفعاله وأقواله فقد ساهم في تصاعده هو وتكميل نفسه، ومن أساء فقد أخّر تكامله واستحق العقوبة، وهذا لا يؤثر في تحقيق الأهداف.
وكمال الإنسان ينقسم الى قسمين:
هما الكمال العام والكمال الخاص، وكل البشرية خاضعة للكمال العام، أما الكمال الخاص فهو مرتبط بتصرفات الفرد، فمن عمل على تهذيب نفسه وتكميل عقله وزيادة وعيه فقد سارع في تكميل ذاته وأضاف كمالاً خاصاً على كماله الخاص، ومن خالف التشريع وعمل على عكس ما يتطلبه الكمال الخاص فقد أخّر وصوله وأبطأ كماله، لكنه مع ذلك مُنساقٌ بالكمال العام.
 

منتظر الخفاجي

اترك تعليقاً