الصِّـــدقُ

الصِّدقُ 1
كان ظلاماً، وكانت الأرض وعرة، والغاية ليست قريبة، أراد الابن أن يُقصّر الطريق، وخيرُ ما يقصّر الطريقَ الحديث، فقال لأبيه: من هو الشجاع عندك؟
قال الأب: من لا يخشى الصدق.
قال الابن: وهل الصدق أشد من الموت؟!
قال الأب: بلى، فإن مانع الموت واحد وهو الخوف، أما موانع الصدق فكثيرة. فقد يخجل الإنسان أو يتحرج من قول الصدق في موطن ما، وربما يكون حرصه للحفاظ على جاهه وسمعته حائلاً دون قول الصدق، كذلك خشيته من هجر حبيب أو فقد صديق.
كثيرٌ هم الشجعان الذين لا يهابون الموت، لكن كم هم الصادقون؟ إنهم الأقل عدداً.
يا بني لقد رأيت أبطالاً لا يهابون الموت، خاضوا معارك كثيرة وجابهوا أشد الدول قوة، وقاوموا المحتلين ببسالة منقطعة النظير، وحينما اختبرتهم بالصدق، جبنوا، وخافوا الصدق أكثر من خوف الأعداء.
حينما أخبروكم أن النجاة في الصدق ليس المقصود مطلق النجاة، فلربما أهلك الصادق صدقه؟ وكثير مِن الناس مَن أُوذي وسُجن بسبب صدقه، وقد يُقطع عنق الصادق جراء صدقه، لكن النجاة تتحقق في أمرين عظيمين:
الأول: هو النجاة من نفسك، والخروج عن سلطانها وسطوتها حين الصدق، فالكاذب أسير تزيينات نفسه، ومن نجى من نفسه فقد نجى من هلاك عظيم.
الثاني: النجاة عند الله تعالى، النجاة مما يرتبه الله للكاذبين في الدنيا وفي الآخرة، قال عز وجل: (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ…) وقال عَز مِن قائل: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) وهنا بين لنا ربنا أهمية الصدق وما يترتب عليه من نتائج، وإنه سبحانه يختبر عباده لإظهار صدقهم أو كذبهم. لذلك بُني فإن أقل فضيلة موجودة في الناس هي الصدق، فتجد الكثير من أهل السخاء وتجد الكثير من الشجعان والكثير من أهل التواضع والغفران، لكن ما أقل الصادقين وما أكثر الكاذبين.
كنت في صباي أتردد على مجلس أحد العلماء قد توفي قبل سنين قليلة -رحمه الله تعالى- أتذكر أنه قال كلمة، وكانت حكمة مؤثرة قال: (أنا أنصح الكاذب إذا قرأ القرآن ووصل إلى آية تلّعن الكاذبين أن لا يقرأها؛ لئلا يلعن نفسه).
بُني في اليوم الواحد نتعرض لعشرات المواقف التي تتطلب منا الصدق وهي مواقف متنوعة، بعضها بسيط وبعضها شديد، فالشجاع من صدق في تلك المواطن وحافظ على صدقه، فقد يواجه مثل هذا الإنسان من الشدائد والآلام ما لم يواجهه المقاتل في ساحة الموت. لا أقول لك كُن صادقاً كالأنبياء، لكني أقول لك حاول أن تكون صادقاً ما استطعت الى ذلك سبيلا، فإنك إن استسغت الصدق رأيت بشاعة الكذب.
قال الابن: أوليست تلك غايتنا يا أبي؟ قال: نعم لقد أحسنت السؤال.
 
منتظر الخفاجي
19/10/2025
 
 

 

 
 

شكرا لترك بصمة تواجدكم معنا .........