الغايةُ الأُسريةُ
لابُدَّ لرَبِّ الأُسرةِ حينما يُريدُ أن يُنشِئَ أُسرَتَهُ تَنشِئةً مُحددةً أن تكونَ له غايةٌ يَتغياها أو هَدفٌ يستهدفُهُ، وعلى أساسِ تلك الغايةِ تُوضَعُ البرامجُ والأدواتُ والأساليبُ، وإلا فإن التربيةَ دونَ غايةٍ ستكونُ فوضويةً ويَصعُبُ السيطرةُ عليها أو حَدِها بحدودٍ لا تتجاوزها.
وهذه الأهدافُ تارةً تكونُ جُزئيةً وأُخرى كُليةً، أعني بذلك، أمّا أن يضعَ رَبُّ الأُسرةِ هدفاً مرحلياً ينتَهي بتحقُقِ نتائجِهِ ثُم ينتقلُ إلى هدفٍ آخرٍ وهكذا، وتكونُ تلكَ الأهدافُ على حسبِ الإحتياجِ الكمالي للأُسرةِ. وأمّا أن يضعَ هدفاً واحداً عالياً ويكونُ هو محَطَّ نظرِه وغايتهِ ولا يَحِطُّ رِحالَهُ إلا في عَرصَةِ ذلِكَ الهدفِ.
ومِن جِهةٍ أُخرى، أمّا أن يكونَ الهدفُ، جَمعياً أو فردياً، وأعني بالجمعي أن يَتحِدَ كُلُّ أفرادِ الأُسرةِ بهدفٍ واحدٍ، كما لو إفترضنا أن غايةَ رَبُّ الأُسرةِ هي خلقُ أُسرةٍ ذاتَ ثقافةٍ عاليةٍ وشموليةٍ فيختارُ مجموعةً من البرامجِ التثقيفيةِ مِن كُتبٍ ومُحاضراتٍ ودروسٍ ورياضةٍ فكريةٍ، ويُدخِلُ الجميعُ بهذا البرنامجِ، هذا في حالِ كانَ الهدفُ جمعياً.
وأمّا إن كانَ الهدفُ فردياً، حينها يتَطلّبُ دِراسةُ كُلَّ فردٍ من أفرادِ الأُسرةِ والوقوفُ على إمكانياتهِ وخصائصهِ التي يَمتازُ بها عن غيرهِ، فيَضعُ رَبُّ الأُسرةِ برنامَجاً لكُل فردٍ يَختلفُ عن برنامجِ الآخرِ، وبه يُنمّي إمكانياتِ كُلَّ فردٍ ويُغذي دوافِعَهُ الخاصةِ.
وأمّا أختيارُ الهدفِ أو الغايةِ فهذا يَرجِعُ حتماً إلى رَبِّ الأُسرةِ أو إجماعِ الأبوينِ إنْ كانا بنفسِ درجةِ الوعيِ والشعورِ بمسؤوليةِ الأُسرةِ.
ومِن هذهِ الغاياتُ والتي تَصلحُ لبناءِ الأُسرةِ عموماً هي:
الغايةُ الأولى: أن يكونَ الأبناءُ أفضلُ مِن الآباءِ، وهي غايةٌ شريفةٌ نَضمنُ معها التسلسلُ التكامُليُ للأجيالِ، حيثُ يكونُ الجيلُ اللاحِقُ أفضلَ من السابقِ، وهذه الغايةُ تتسقُ مَع الغايةِ التكوينيةِ.
وإتخاذُ هذه الغايةَ يوجِبُ على رَبِّ الأُسرةِ، أن يُجنِّبَ أفرادَ أُسرتِه الأخطاءَ التي وقعَ فيها ويُبعِدَ عنهم كُلَّ ما يُعرقِلُ مَسيرَهم، وكذلك أنْ يودِعَ فيهم أهم نتائجَ تجاربِهِ الحياتيةِ كي يختَصِرَ لهم الطريقَ، فيأخذون أفضلَ ما في الجيلِ السابقِ ويتَجنبون إخفاقاتَهُ ونقائصَهُ. ويضعُ رَبُّ الأُسرةِ برامجَهُ مِن خلالِ ما إكتسبهُ في حياتهِ.
الغايةُ الثانيةُ: أن تكونَ الغايةُ خلقَ أُسرَةٍ فاعِلةٍ في المُجتمعِ ونافِعَةٍ له، فيعملُ رَبُّ الأُسرةِ على دراسةِ أفضل ما يخدمُ المجتمعَ من القيمِ والمبادئ والأعمالِ ويبدأُ بزراعتِها في أبناءِ أُسرَتِه، حتى يوصلَهم إلى أن يكونوا أفراداً نافعين للمُجتمعِ.
الغايةُ الثالثةُ: أن يكونوا على درجةٍ عاليةٍ من الكَمالِ الشاملِ, وهذه واقِعاً, غايةٌ كبيرةٌ وجليلةٌ، تتطلبُ جُهداً كبيراً وحثيثاً، إذ أنها تَستلزمُ أموراً جوهريةً، مِنها أن يكونَ رَبُّ الأُسرةِ على درجةٍ مُعتدٍّ بها من الكمالِ، بحيث يَعرِفُ أهميةَ الكمالِ الشاملِ والذي يستوعِبُ كُلَّ كيانِ الإنسانِ (نفساً وقلباً وعقلاً وروحاً)، وتكونُ غايتُه حينئذٍ هي غايةُ اللهِ تعالى، فيجِدُّ ويَجتهِدُ رَبُّ الأُسرةِ في إيصالِ أُسرتِهِ إلى أقصى درجاتِ الكمالِ، وكذلِكَ أن يَضعَ لهُم برنامجاً كمالياً أو يستعينَ بِمَن هو أهلٌ لذلكَ حتى يوصِلَهم إلى ما هو مُقدّرٌ لهم مِن مراتبِ الكمالِ الشاملِ.
الغايةُ الرابعةُ: أنْ يستهدِفَ من خلالِ تربيتِهم صَلاحَ الجيلِ الذي يَليهم، أي يَعملُ على خَلقِ آباءٍ وأُمَهاتٍ صالحين، يَضمِنُ من صَلاحِهم صَلاحَ جيلِ الأحفادِ، سواءٌ على الصعيدِ الدُنيوي أو الديني.
وهناكَ غاياتٌ كثيرةٌ قد يَراها رَبُّ الأُسرةِ أو تَفرضها إمكانياتُ أفرادِ الأُسرةِ.
ويكونُ التغييرُ في المسيرِ والتعديلِ على أساسِ الغايةِ، وإلا فكُلُّ مسيرٍ دونَ غايةٍ ما هو إلا تِيهٍ وضياعٍ.
هذا تَمامُ ما أردتُ إيرادَهُ في هذه الرسالةِ الموجزةِ، راجياً مِن الحق ِتعالى أن يجعلَ فيها فائِدةً لِعبادِهِ أنهُ هوَ المبدَأُ وهوَ الغايةُ
والحَمدُ للهِ وَحدهُ
تَم الفراغُ مِنهُ ليلةَ القدرِ 27رَمضان لعامِ 1441 الموافِق 20\05\2020
مُنتظَرُ الخَفاجي