تغيير الأفعـــال
القسم الثاني
قلنا في القسم الأول، إن للإنسان القابلية على تغيير أفعاله. لكنه قد يجد الانسان صعوبة في تغيير البعض منها وهي الأفعال التي اعتاد على صدورها منه لفترة طويلة من الزمن، وهنا تكمن صعوبة تبديل الفرد لبعض افعاله.
وللحديث عن هذه الأفعال نقول: إن صدور الأفعال المعتادة من الانسان يكون بسببين:
السبب الأول: ان الاعتياد على الفعل ناشئ عن تكرار ذلك الفعل، وبيان ذلك باختصار: يؤدي الفرد فعلاً محدداً، قد يكون صدور هذا الفعل بدافع نزوة أو حب الاطلاع أو يكون مكرهاً عليه أو غيرها من الدوافع السطحية، ثم قد يكون الأثر النفسي المترتب على هذا الفعل هو الانزعاج والاشمئزاز، وبعد فترة يصدر عنه نفس الفعل، فيكون الأثر المترتب هو الحالة الطبيعية، وحينما يكرر هذا الفعل يتبدل الأثر المترتب الى الاستساغة النفسية لذلك الفعل، فتستسيغ النفس صدور هذا الفعل من الفرد دون ادنى استنكار او انزعاج داخلي، وحين صدور نفس الفعل تارة أخرى يرتقي الأثر الى الاستئناس النفسي به، حينئذ يتحول الفعل من فعل الى صفة ترسخ في كيان الانسان وتصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيته، وهو ما نصطلح عليه بالصفة المكتسبة. والتي بدورها ستطالب صاحبها وتدفعه الى اصدار ذلك الفعل مرة أخرى إذ انه أصبح غذاءاً لتلك الصفة.
السبب الثاني: وربما يكون هو الأهم في استمرارية صدور الفعل الواحد، وهي الصفات الذاتية. فإن اغلب أفعال الفرد تعود الى الصفات الذاتية، فهي المولد للكثير من تصرفات الفرد.
إن الصفة وان كانت جزءاً مندكاً في كيان الانسان، لكن في الواقع لها نحو من الاستقلالية؛ لذلك باستطاعة الفرد اقتطاع هذا الجزء واستبداله دون الاخلال بكيانه العام.
ومن تلك الاستقلالية تسعى كل صفة من صفات الانسان من خلال محركها الاعمق – وليس هذا محل الكلام عن المحركات العميقة- الى تكميل وجودها في الانسان؛ وذلك عن طريق دفع الانسان لإصدار أفعال من تلك الصفة وتفعيلها من خلال هذه الأفعال، وبالتالي سينتج هذا التفعيل ارتقاء وتوسع وتعمق لتلك الصفة في كيان الانسان، حتى تمسي أغلب أفعال الانسان وتصرفاته صادرة أو متأثرة بتلك الصفة، كالإنسان الخجول مثلاً الذي تطغى عليه صفة الخجل في أغلب تصرفاته.
وبما أن أغلب الأفعال تعود الى أصول –اعني الصفات- ولها التحكم بصدور الأفعال من الفرد؛ حينئذ يصعب على الفرد أن يتحكم بسلاسة وانسيابية بعض الأفعال التي يريدها الا أن يخالف المولد الأصلي للفعل، وهذا يحدث لدى أغلب الناس.
ومن جهة أخرى، إنّ فشل الفرد في تغيير الفعل أو الامتناع عنه، يعود الى قوة الصفة المولدة لذلك الفعل وهيمنتها على ذلك الانسان. وتتضاعف الصعوبة في تغيير ومخالفة الأفعال الصادرة عن الصفات الذاتية؛ اذ تكون مخالفتها أشد من مخالفة الصفات المكتسبة.
وهذا لا يعني استحالة صدور أفعال مخالفة أو مغايرة لتلك الصفات إطلاقاً، والا لاستلزم ذلك استحالة تبدل الصفات وبالتالي توقف الانسان في مسيرة التكميل والرقي، انما صدور الأفعال المخالفة لتلك الصفة تلازمها صعوبة نوعية، ومن ذلك صدور بعض الأفعال الاضطرارية والتي يخالف فيها الفرد صفاته وثوابته، لكن حين الانتهاء من ذلك الحال الاضطراري أو الاجتهادي ستعود الصفة الى هيمنتها وان كانت بصورة أضعف من السابق بدرجة قد لا تُلحظ ذهنياً………نكمل الحديث في القسم الثالث إن شاء الله تعالى.
منتظر الخفاجي