شيخنا المتعارف لدينا أن العبادة في شهر رمضان هي إحياء ليلة القدر وإطعام الناس، فهل هناك عبادات أخرى يمكن إضافتها الى هذا الشهر الفضيل؟
جواب سماحته: جزاكم الله خير الجزاء.. واقعاً مثل ماتفضلت، ان لدينا إقتصار على عبادات محدودة في شهر رمضان و التي منها صلاة المئة ركعة، والصدقات – والتي ربما تذهب في غير مواردها -، نحن وكما بيّنا سابقا: ان شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالى والذي ينبغي خلاله أن يتقرب الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى بقدر ما يستطيع، وحيث ذكرنا أن له خصوصيات معينة من قبيل ان فيه تضعف النفس الإمارة بالسوء وتتقيد الشياطين وتضاعف الحسنات..الخ، لذا فهو فرصة ينبغي على الفرد أن يستثمرها، وكما قلنا في السابق ان ما يقرر مصير الفرد في سنته القادمة هو ليلة القدر في هذه السنة، فحينئذ هذا الإنسان – الذي يشتكي قله الرزق أو يشتكي المرض والبلاء – انه إذا أراد أن يغير قدّره، فعنده فرصة حقيقية والتي هي ليلة القدر في شهر رمضان، فنقول ان بأمكانه أن يؤدي بعض الأعمال التي تكون كفيلة بتغيير مصيره في السنة القادمة، وليس فقط الاقتصار على العبادات أو كثرة العبادات، بأمكانه ان يضيف بعض المفردات إلى حياته، يضيف مثلا مفردة التفكر لربع ساعة يتفكر فيها بآيات الله سبحانه وتعالى أو يضيف مسألة الاستعانة باللّٰه أو مسأله التوكل على الله سبحانه وتعالى في بعض الأمور، يضيف مسأله إدخال السرور على قلب المؤمن. واقعاً لدينا الكثير من المفاهيم الايمانية الحقيقية والعبادية قد عُطلت، فأصبح ما يقرره الانسان في هذه السنة هو نفسه ما يقرره للسنة اللاحقة وهكذا لن يتحقق تغيير، لماذا؟ لأن الانسان نفسه غير جاد او ملتفت لطلب التغيير، انا دائما اقول: اننا نقف أمام الله سبحانه وتعالى في الصلاة ونكذب عليه نهاراً جهاراً (إياك نعبد وإياك نستعين) فأين وجه الاستعانة؟ متى استعنت به؟ انت تقول له (إياك نستعين) إذاً خصصته بالاستعانة، وانت لم تستعين به طرفة عين واستعنت بفلان وعلّان وغيره، واقعا ان الاستعانة من العبادات المعطلة فلماذا لا يحييها الإنسان في شهر رمضان ؟ ويستعين باللّٰه سبحانه وتعالى في المرض ويستعين باللّٰه على احواله او غير ذلك من الأمور. القصد – وجواباً على سؤالك – هنالك مفردات كثيرة يستطيع الإنسان أن يضيفها إلى عبادته في شهر رمضان ونفسها ليلة القدر (أحياء ليلة القدر) فليس بالضرورة ان تصلي فيها المئة ركعة، بامكانك ان تقلل المئة ركعة وتضيف لها ساعة تفكر، او تضيف لها ساعة ذكر، أي عبادة أخرى، فيجب أن يكون هناك تنوع في العبادة وليس الاقتصار على مفردات محدودة منها. – قلتم في إحدى المحاضرات بأن شهر رمضان يعتبر سنة إيمانية جديدة ستبنى مصائرنا وأرزاقنا واقدارنا وفق هذه السنة الجديدة، هل هذه السنة تتحقق في شهر رمضان ام في ليلة القدر؟
– كلا، هي ليلة القدر تحديداً هي التي تقدر بها الآجال والأرزاق وإلى آخره. الله سبحانه وتعالى عندما يبين لنا أن ليلة القدر هي ما يقدر فيها مصائرنا (مصير الإنسان)، فلماذا بيّن لي ذلك؟ أي ماذا سأستفاد منه؟ هو بمعنى يقول لي : يا عبدي جد واجتهد لأجل أن يكون مصيرك القادم أفضل من السابق،لا أكثر من ذلك، طيب: كيف يكون مصيري أفضل من السابق؟ جوابه أنه يقول لك: غيّر، وانا لدي قاعدة (لا يغير الله مابقوم حتى يغير ما بأنفسهم)، إذاً غّير حتى يتغير مصيرك، والتغيير تارة يكون تغيراً نفسياً وتارة تغيراً عقلياً وتارة تغيراً قلبياً وتارة يكون تغيراً في العادات، أحيانا يعتاد الإنسان على بعض الامور والتي تجعله ضمن نظامها او على خط نظامها فعندما يتغير سيحدث تغييراً في خط نظامه، الأن انت مقيد في نظام معين وسبب تقيدك بهذا النظام هو مستواك الكلي، فعندما تُحدث تغييرات في حياتك فانك سوف تنتقل من هذا الخط النظامي إلى خط آخر، أي أنك تصبح ليس من أرباب هذا الخط وغير مؤدي لملازمات هذا الخط ولا مفرداته، فعندما تأتي في ليلة القدر التي يكون بها التقدير – لو جاز التعبير – وتقٌطع على نفسك انه انا خلال هذه السنة الإيمانية (التي سميناها بالسنة الإيمانية) من هذه الليلة المباركة الى ليلة القدر القادمة سوف أعمل برنامجاً، اتجرد فيه مثلاً من حب المال أو اقلل من النظرة الشهوانية لدي أو أؤدي براءة ذمتي مع الناس واعمل كذا وكذا فإنك تكون بذلك قد عملت برنامجاً سنوياً كجدول أعمال- لو جاز التعبير – فلو أديته خلال هذه السنة وبنية صادقة – والتوفيق من عند الله، وليس شرطا أن تعملهن كلهن- حينئذ انت سوف تُغيّر بنصيبك الأن سواء أكان نصيبك الدنيوي أو الأخروي أو الداخلي؛ لأنك غيّرت وعلى أساس تغيّرك سوف يتغير نصيبك، فالمفروض في ليلة القدر ( بما انها تعتبر لنا فرصة حيث يقوى لدينا الجانب الايماني ويضعف لدينا الجانب التسافلي – لو جاز التعبير- ) نقول اننا نستطيع لذلك ان نجعل من ليلة القدر انطلاقة حقيقية إيمانة نحو تغيير أفضل من السابق وهذا شي لطيف جداً ، فأن تحقق ذلك فسوف يصبح التكامل مستمر والسنة اللاحقة سوف تكون أفضل من السابقه وهكذا كل سنة، حينئذ فإن الإنسان لا يحتاج يومياً أن يشتكي على الله ويقول لماذا لم تفعل لي هكذا، لا ، واقعاً انه من فعل يديك ، بمعنى انك سألت الله سبحانه وتعالى بلسان هذا الفعل أن يفعل لك كذا وينزل عليك بلاءه، فأنت الذي أوجبت ذلك ورضيت به.
– سماحتكم لو كان نية العبد تغيير مصيره القادم وان عمله في شهر رمضان ( في ليلة القدر ) بنيّة التغيير من باب الطمع، فهل تستجيب الإرادة الإلهية لهذه النية ام لا ؟ اقصد من مقتضى ان تكون نية العبد طاهرة ومجردة من أي مورد آخر.
– لا بأس بذلك، حينما نقول بنية خالصة مخلصة نتكلم عن مستويات اخرى بصراحة، لكن على مستوى العامة، لا بأس بذلك وان كان فيها شائبة، فإذا كانت نية العبد أن يُحدث تغييراً بحياته، سواء كانت نيته من اجل طمع دنيوي بنسبة ثمانين بالمئة مثلا ونسبة عشرين بالمئة لأجل التقرب لله سبحانه وتعالى فلا بأس بذلك، فالله سبحانه وتعالى عادل ، وكل شيءٍ يعطيه استحقاقه ، نتكلم على مستوى الظاهر واقعاً المحتاج مادياً اذا لم يلجأ الى الله فلمن يلجأ ؟ !!
– هي قد تكون خطوة والخطوة القادمة ؟
– هي خطوة تؤهله الى خطوات اعلى من ذلك، ربما يصل بعد هذه الخطوة المعينة بحيث يرى ان الطلب المادي من الله سبحانه وتعالى هو شيء صغير، ( زحمة ) أنه اطلب من الله سبحانه وتعالى هكذا أمر!! ، أو قد يصل الى درجة ان يقول: ان الله سبحانه وتعالى يحبني وهو أعرفُ بمصلحتي فلماذا اطلب منه كذا ؟، فعلى حسب المرتبة التي يصلها وعلى حسب الحال المّنزل عليه يكون تأهله لخطوات أعلى في التغيير .