جلسات رمضانية
الجلسة التاسعة

جلسات رمضانية الجلسة التاسعة 1

سماحة الشيخ منتظر الخفاجي، ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ( صيام القلب خير من صيام اللسان وصيام اللسان خير من صيام البطن ) ، كيف يمكن للعبد أن يحقق صيام القلب ويستمر عليه بعد شهر رمضان؟


 الجواب

سؤال جيد جزاك الله خير الجزاء، وإن كانت مرتبة صيام القلب هي مرتبة صعبة وليست بالهينة صراحةً، حيث ان هناك مقدمات معينة لمراتب الصيام يجب أن يمر بها الإنسان حتى يبلغ مرتبة صيام القلب، ومع ذلك نقول: أن صيام القلب له عدة مستويات:

المستوى الأول: وهو مستوى التطهير القلبي الأولي، المقصود منه التطهير من رذائل الأخلاق أو الحجب أو الريون، أي يصوم القلب عن السماح بدخول هذه الامور والتي تسبب بُعد القلب عن الله سبحانه وتعالى وتسبب تلويث القلب، هذا مستوى.

المستوى الآخر: مستوى عدم النظر القلبي لغير الله سبحانه وتعالى، فينقطع القلب عن كل ما سوى الله ( ما رأيت شيء إلا رأيت الله قبله وبعده ومعه ).

المستوى الثالث: بما ان القلب هو مسكن الرحمن فيجب أن يحصل تفريغاً تاماً للقلب، وحيث أن الصيام هو انقطاع عن كل شيء، فيجب ان يحصل انقطاع في القلب وذلك بتفريغ كل ما هو موجود في القلب وإخلاء ساحة القلب للحق جل جلاله.

السائل: سماحتكم، وهذا الصيام غير مقتصر في شهر رمضان؟

الجواب: لا، ليس له علاقة بشهر رمضان إطلاقاً، لكن خير البدايات ما كانت في شهر رمضان، وحقيقة هذا صعب على عامة الناس، نعم قد يستطيع أن يؤديه الخاصة، أما العامة فيصعب عليهم، لكننا نقول: لماذا طرحه الأمير (سلام الله عليه)؟ بمعنى أنه عندما بيّنه وفصّله لنا ماذا يريد منا؟ أكيداً أنه يريدنا أن نؤدي هذا المستوى من الصيام، ولا نقتصر على صيام البطن أو صيام اللسان أو صيام النظر، حقيقة أن كل ما ورد في صيام القلب يكون دافعاً نحو التوحيد، لهذا الصائم سيوحد الله سبحانه وتعالى في هذا الفعل، وسيوحِّده في النظر والسماع، سيوحِّد الله في قلبه، كذلك من ضمن صيام القلب هو عدم التعلق بغير الله سبحانه وتعالى، أي الصوم عن التعلقات بالأمور والاشياء الدنيوية.

السائل: أي شيء ما دون الله؟

الجواب: نعم أي شيء، أنا متعلق بهذه ومتعلق بتلك! بينما المفروض أن أتعلق بالله سبحانه وتعالى فقط، أنا نزلت إلى الدنيا لأجل ماذا؟، لأداء رسالة إلهية، نزلت لأكمّل الصفات الناقصة، وأن أصل إلى الغاية التي خلقني الله سبحانه وتعالى من أجلها، وليس لأجل أن أجمَع، لا بأس بجمع أدوات عملٍ، مثل كاميرا أو موبايل لا بأس بذلك، لكن ليس التعلق بها، أنت إملك الدنيا كلها ولكن لا تتعلق بها، قلبك خاص لله سبحانه وتعالى، فقلبك هو حرم الله تعالى.

السائل: سماحتكم، كان هذا صوم القلب، فما هو قولكم بصوم العقل وهل له موارد؟

الجواب: صوم العقل هو قطع التفكّر بالأمور المُبعدة عن الله سبحانه وتعالى، صوم العقل ــ إن جاز التعبير ــ يكون كما قيل ( أن تجعل همك هماً واحداً وتفكر فيه ) وإن كان هذا القول في مورد آخر لكن لا بأس بذلك، صوم العقل أن تجعل من العقل أداة لله سبحانه وتعالى بحيث تقطع كل الواردات والأفكار والخيالات المُبعِدة عن الله سبحانه وتعالى، فتصوم عنها، لا أن يكون عقلك مَسرَح لكل شيء، ثم أن توسيع العقل لغير ما خُلق له، شيء غير جيد أكيداً، على الفرد أن لا يفرح بأن لديه عقلاً كبيراً! كبير بماذا؟ بأمور تافهة! هذا ليس بكبير، أضرِب مثلاً وإن كان غير لطيف لكن، سلة المهملات مهما كبُرت فهي سلة مهملات، العقل إذا كان مسرحاً للأفكار السيئة والهادمة ومسرحاً للخيالات الفاسدة وغيرها، فمهما كبُر سيكون عبارة عن ضرر، فيصوم الإنسان بقطع الأفكار وإن كانت نافعة ولكنها غير إلهية بمعنى أنه يكون متوحداً بالفكر تجاه ما يوصل إلى الله سبحانه وتعالى، وحسب مرتبة الشخص، فكلما يصعد درجةً في ذلك يفتح له الحق مستوىً جديداً.

اترك تعليقاً