جلسات رمضانية
الجلسة الثامنة

شيخنا العزيز، المتعارف لدينا أن العبادة في شهر رمضان هي إحياء ليلة القدر وإطعام الناس، فهل هناك عبادات أخرى يمكن إضافتها إلى هذا الشهر الفضيل؟
الجواب:
جزاكم الله خير الجزاء، واقعاً مثل ما تفضلت، إن لدينا اقتصاراً على عبادات محدودة في شهر رمضان والتي منها صلاة المئة ركعة، والصدقات ــ والتي ربما تذهب في غير مواردهاــ. وكما بيّنا سابقاً أن شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالى والذي ينبغي خلاله أن يتقرب الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى بقدر ما يستطيع، وحيث ذكرنا أن له خصوصيات معينة من قبيل إن فيه تَضعُف النفس الأمارة بالسوء وتتقيّد الشياطين وتُضاعَف الحسنات…الخ، لذا فهو فرصة ينبغي على الفرد أن يستثمرها، وكما قلنا في السابق ان ما يقرر مصير الفرد في سنته القادمة هو ليلة القدر في هذه السنة، فحينئذ هذا الإنسان ــ الذي يشتكي قله الرزق أو يشتكي المرض والبلاء ــ إذا أراد أن يُغيّر قدّره، فعنده فرصة حقيقية والتي هي ليلة القدر في شهر رمضان، فنقول ان بإمكانه أن يؤدي بعض الأعمال التي تكون كفيلة بتغيير مصيره في السنة القادمة، وليس فقط الاقتصار على العبادات أو كثرة العبادات، بإمكانه أن يضيف بعض المفردات إلى حياته، يضيف مثلاً مفردة التفكر لربع ساعة، يتفكر فيها بآيات الله سبحانه وتعالى، أو يضيف مسألة الاستعانة بالله، أو مسألة التوكل على الله سبحانه وتعالى في بعض الأمور، يضيف مسألة إدخال السرور على قلب المؤمن. لدينا الكثير من المفاهيم الايمانيّة الحقيقية والعبادية قد عُطلّت، فأصبح ما يقرره الانسان في هذه السنة هو نفسه ما يقرره للسنة اللاحقة، وهكذا لن يتحقق تغيير، لماذا؟ لأن الانسان نفسه غير جاد او ملتفت لطلب التغيير، أنا دائما أقول: إننا نقف أمام الله سبحانه وتعالى في الصلاة ونكذب عليه نهاراً جهاراً (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فأين وجه الاستعانة؟ متى استعنت به؟ انت تقول له (إياك نستعين) إذاً خصصته بالاستعانة، وانت لم تستعين به طرفة عين واستعنت بفلان وعلّان وغيره، واقعا ان الاستعانة من العبادات المعطلة فلماذا لا يحييها الإنسان في شهر رمضان؟ ويستعين بالله سبحانه وتعالى في المرض، ويستعين بالله على أحواله او غير ذلك من الأمور. القصد ــ وجواباً على سؤالك ــ هنالك مفردات كثيرة يستطيع الإنسان أن يضيفها إلى عبادته في شهر رمضان ونفسها ليلة القدر (إحياء ليلة القدر) فليس بالضرورة ان تصلي فيها المئة ركعة، بإمكانك ان تقلل المئة ركعة وتضيف لها ساعة تفكر، او تضيف لها ساعة ذكر، أي عبادة أخرى، فيجب أن يكون هناك تنوع في العبادة وليس الاقتصار على مفردات محدودة منها.
السائل: قلتم في إحدى المحاضرات بأن شهر رمضان يعتبر سنة إيمانيّة جديدة ستُبنى مصائرنا وأرزاقنا واقدارنا وفق هذه السنة الجديدة، هل هذه السنة تتحقق في شهر رمضان أم في ليلة القدر؟
الجواب: كلا، هي ليلة القدر تحديداً، هي التي تُقدّر بها الآجال والأرزاق….الخ.
الله سبحانه وتعالى عندما يبين لنا أن ليلة القدر هي ما يقدر فيها مصائرنا (مصير الإنسان) فلماذا بيّن لي ذلك؟ أي ماذا سأستفيد منه؟ هو بمعنى يقول لي: يا عبدي جِدّ واجتهد لأجل أن يكون مصيرك القادم أفضل من السابق، لا أكثر من ذلك، طيب: كيف يكون مصيري أفضل من السابق؟ جوابه أنه يقول لك: غيّر، وانا لدي قاعدة (إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) إذاً غيّر حتى يتغير مصيرك.
والتغيير تارة يكون تغيراً نفسياً وتارة تغيراً عقلياً وتارة تغيراً قلبياً وتارة يكون تغيراً في العادات، أحيانا يعتاد الإنسان على بعض الامور والتي تجعله ضمن نظامها او على خط نظامها فعندما يُغير سيحدث تغييراً في خط نظامه، الآن أنت مُقيّد في نظام معين وسبب تقيدك بهذا النظام هو مستواك الكلي، فعندما تُحدث تغييرات في حياتك فإنك سوف تنتقل من هذا الخط النظامي إلى خط آخر، أي أنك تصبح ليس من أرباب هذا الخط وغير مؤدي لملازمات هذا الخط ولا مفرداته، فعندما تأتي في ليلة القدر التي يكون بها التقدير ــ لو جاز التعبير ــ وتقطع على نفسك: من أنني خلال هذه السنة الإيمانيّة (التي سميناها بالسنة الإيمانيّة) من هذه الليلة المباركة إلى ليلة القدر القادمة سوف أعمل برنامجاً، أتجرد فيه مثلاً من حب المال أو أقلل من النظرة الشهوانيّة لديَّ، أو أبرء ذمتي من تبعات الناس عليّ وأعمل كذا وكذا، فإنك تكون بذلك قد عملت برنامجاً سنوياً كجدول أعمال، فلو أديته خلال هذه السنة وبنيّة صادقة ــ والتوفيق من عند الله، وليس شرطاً أن تطبق كل فقراته ــ حينئذ ستُغيّر بنصيبك الآن سواء أكان نصيبك الدنيوي أو الأخروي أو المعنوي؛ لأنك غيّرت وعلى أساس تغيّرك سوف يتغير نصيبك، فالمفروض في ليلة القدر (بما أنها تعتبر لنا فرصة حيث يَقوى لدينا الجانب الإيماني ويضعف لدينا الجانب الظلماني) نقول اننا نستطيع أن نجعل من ليلة القدر انطلاقة حقيقية إيمانيّة نحو تغيير أفضل من السابق، وهذا شيء لطيف جداً، فأن تحقق ذلك فسوف يصبح التكامل مستمراً والسنة اللاحقة ستكون أفضل من السابقة وهكذا كل سنة؛ حينئذ لن يحتاج الانسان إلى الشكوى على الله يومياً! ويقول له لماذا تفعل بي هكذا ولماذا لا تفعل لي كذا، لأن الواقع أن ما يحصل هو من فعل يديك، وبمعنى آخر، أنت سألت الله سبحانه وتعالى بلسان هذا الفعل أن يفعل لك كذا وينزل عليك بلاءه، فأنت الذي أوجبت ذلك ورضيت به.
السائل: سماحتكم لو كانت نيّة العبد تغيير مصيره القادم وإن عمله في شهر رمضان (في ليلة القدر) بنيّة التغيير من باب الطمع، فهل تستجيب الإرادة الإلهية لهذه النيّة أم لا؟ اقصد من مقتضى ان تكون نيّة العبد طاهرة ومجردة من أي مورد آخر.
الجواب: لا بأس بذلك، حينما نقول بنيّة خالصة مُخلّصة نتكلم عن مستويات أخرى بصراحة، لكن على مستوى العامة لا بأس بذلك وان كان فيها شائبة، فإذا كانت نيّة العبد أن يُحدث تغييراً بحياته، سواء كانت نيّته من أجل طمع دنيوي بنسبة ثمانين بالمئة مثلاً ونسبة عشرين بالمئة لأجل التقرب لله سبحانه وتعالى فلا بأس بذلك، فالله سبحانه وتعالى عادل، وكل شيءٍ يعطيه استحقاقه، نتكلم على مستوى الظاهر، واقعاً المحتاج مادياً إذا لم يلجأ إلى الله فلمن يلجأ؟!!
السائل: هي قد تكون خطوة، والخطوة القادمة؟
الجواب: هي خطوة تؤهله إلى خطوات أعلى من ذلك، ربما يصل بعد هذه الخطوة المعينة بحيث يرى ان الطلب المادي من الله سبحانه وتعالى هو شيء صغير، ومن غير اللائق أن أطلب من الله سبحانه وتعالى هكذا أمر!، أو قد يصل إلى درجة أن يقول فيها: ان الله سبحانه وتعالى يُحبني وهو أعرفُ بمصلحتي فلماذا أطلب منه كذا؟، فعلى حسب المرتبة التي يصلها وعلى حسب الحال المُنزل عليه، يكون تأهله لخطوات أعلى في التغيير.