جلسات رمضانية

جلسات رمضانية 1

ملاحظة: أستكشف السؤال بالنقر على الأيقونة.

شيخنا سماحة الأب المربي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

روي عن النبي الأكرم (ص): ((اختلاف أمتي رحمة))[1].

ما هو نوع الرحمة في اختلاف الأمة في كثير من امورها ومنها هلال شهر رمضان؟

 

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته

واقعاً يوجد هنالك فرق بين الاختلاف والتخالف أو الخلاف…

 فالاختلاف عادةً يكون عبارة عن التنوع والإثراء وكثرة التخصصات، فحينما يختلف عالِمٌ مع عالِمٍ آخر في رأيٍ أو فكرةٍ أو نظريةٍ …الخ، فذلك يعني أن كل منهما قد فتح باباً لفهم الغاية المستهدفة من الرأي او الفكرة او النظرية، أي أصبح هناك تنوعاً في الوصول لذلك الفهم؛ حينئذ صارت هناك توسعة وأصبح هناك إثراءاً ومن ذلك نقول:

عندما تختلف الامة الاسلامية بالاختلافات الفكرية او بتنوعات الطرق لتحقيق مصلحة الأمة، أو تنوع الطرق للوصول الى الغاية التي خُلِق من أجلها الإنسان، حينئذ أنت كثّرت الابواب، وكثّرت المذاهب والطرق والتي ستتناسب مع كل مستويات الفهم والادراك للمجتمع المسلم، بعكسه لو كان الطريق واحداً فلربما تجد ان أحدهم يقتنع بهذا الطريق بينما تجد الآخر غير مقتنعٍ به، حينئذ سيبقى ذلك الآخر من غير طريق، أو يتخذ طريقاً منحرفاً أو بعيداً عن الغاية، لذلك فإن هذه الاختلافات ستكون عبارة عن توسيع للنطاق الفكري الإسلامي، وهذا صحيح. أما حينما نقول إن الاختلاف هو التخالف الذي يؤدي إلى البغضاء والتقاتل والعنف بين المتخالفين، فإني أقول إن هذا غير مطلوب، حيث إنه يؤدي إلى نتائج سقيمة وغير صحيحة في الأمة الإسلامية، وهذا هو الحاصل الآن مع شديد الأسف، وإن كان هذا الاختلاف ليس أساسه ديني، لو كان أساسه ديني لكان أدى إلى نتائج طيبة، لكن أساسه دنيوي بثوبٍ ولباسٍ ديني أدى إلى هذه النتائج التي نراها الآن من المذهبية والعنصرية والطائفية.

 

أذكرُ مرّةً سألني شيخي السيد الشهيد -قدس الله نفسه-، وهو شيخي وواجب الطاعة: ما رأيك بالاستخارة هل تنافي التوكل؟، فقلت له: أنا عندي إنها تنافي التوكل، فقال: أنا عندي انها لا تنافي التوكل، فقلت: إذن انا مخطئ؟ فقال: لا، أنت رأيك صحيح، وأنا رأيي صحيح، ابقَ أنت على رأيك، وأنا أبقى على رأيي، فأخذت من ذلك عدة فوائدٍ في حينها وبعدها، فالذي أريد قولَهُ: إن هذا الاختلاف يجعل من الفكرة الواحدة فكرتين وثلاثة أو أكثر وهذا يمثل تنوعاً وغنى للإسلام وهو أمرٌ صحيح وصحي.

 

[1]– الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص 765

شيخنا الجليل سماحة الاب المربي الشيخ منتظر الخفاجي أدام الله أنفاسكم

الكثير يقولون إن النوم في نهار شهر رمضان عبادة، فما رأي سماحتكم في ذلك؟

الجواب

نعم توجد هكذا رواية عن الرسول الأعظم: (الصائم في عبادة الله وإن كان نائماً على فراشه…)[1] كذلك عن الإمام الصادق: (نوم الصائم عبادة ونَفَسَه تسبيح)[2] ولا بأس بذلك؛ بل إن كل حركات الصائم هي عبادة مادام قائم بالصيام المطلوب، لكن هذا ليس معناه ان نقضي النهار والليل نائمين!، فالصائم يستطيع ان يؤدي بعض الأعمال العبادية أثناء صيامه فتحسب له عبادتين أو أكثر بدلاً من عبادة واحدة، فما هو المانع من ذلك؟ إن هذا الحديث واقعاً ليس داعية للإكثار من النوم، رغم ان السُّنة المتعارفة عند الناس هذه الأيام ان أحدهم ينام النهار كله ويستيقظ عند الافطار!! وكأنه ليس بصائم، المفروض ان تُستغل قوة الدافع الايماني او المحرك الايماني الموجود في هذا الشهر قدر الإمكان في العبادة، أي نوع من أنواع العبادة ليس فقط الصلاة؛ لأن البعض قد يمُلّ من الصلاة، فلا بأس ان يُنوّع في عباداته، كقراءة القرآن، الذكر، التدبر، نصيحةٌ لإنسان معين، كلمةٌ حسنة تنشرها … الخ، هذا يقيناً خيرٌ من النوم بكثير.

 

[1]– الريشهري، ميزان الحكمة، ج2، ص 1686
[2]– الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت) ج10، ص 137

سماحة الأب المربي شيخنا العزيز. من الطقوس العبادية التي يقوم بها المؤمنون في شهر رمضان هي ختمة قراءة القرآن، فهل نستطيع أن نستفيد من القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك بأُمور أكثر من ختمة قراءته؟

الجواب

نعم بالتأكيد ممكن، بالنسبة لختمة قراءة القرآن هي من الأُمور المستحبة والتي يواظب عليها الناس في شهر رمضان، لكن ربما أستطيع القول على حسب مرتبة الشخص الصائم يكون النفع والاستفادة بمعنى:

-إن كان من أرباب الجزاء والثواب فأكيد أن ختمة قراءة القرآن تنفعه كثيراً، وربما أكثر من غيرها، فهي تغفر الذنوب كما أن فيها من الفوائد المعنوية والأخروية الشيء الكثير.

-أما إن كان من أرباب القلوب فالأمر يختلف حقيقةً، حيث نجد قراءته للقرآن بمعدل جزء واحد يومياً لأجل أن يختمه وبهذه السرعة سوف لن يستفيد منها كثيراً، إنما ما ينفعه واقعاً أكثر هو التفاعل القلبي مع الآية القرآنية – لو جاز التعبير- أي يقف عند الآيات التي تؤثر قلبياً أو التي تجذبه إلى القرآن جذباً قلبياً، بمعنى الآيات التي تؤثر به من ناحية الخشوع والتي تغير عنده بعض الأحوال القلبية، وربما صاحِب هذه المرتبة لا يستطيع أن يختم قراءة القرآن على هذا المنوال خلال شهر.

-وإن كان من أرباب العقول فصاحِب هذه المرتبة واقعاً يصعب عليه أن يختم قراءة القرآن ربما حتى بسنة صراحةً، لأنه سيتوقف عند كل آية ويحاول قدر الإمكان أن يتمعن ويتفكر بها ليستفيد ويأخذ منها فوائداً عقليةً، حينئذٍ نجد ان صاحب العقل يستفيد من القراءة العقلية للقرآن أكثر من ختمة قراءة القرآن السائدة والمتعارف عليها.

فكل صاحب مرتبة له طريقته المناسبة لقراءة القرآن والاستفادة منه. والمفروض أن يُؤخذ هذا بعين الاعتبار.

سماحة الأب المربي الشيخ منتظر الخفاجي. ونحن في هذا الشهر المبارك نلاحظ في مجتمعنا الاقبال على بعض الالعاب الشعبية المعروفة وقضاء أغلب ليالي رمضان فيها وخصوصاً لعبة المحيبس -وهي لعبة شعبية عراقية- فهل ان ممارسة هذه الالعاب او متابعتها وتشجيعها يقطع أو يقلل من عطاء شهر العطاء…شهر رمضان المبارك؟

 

الجواب

من المؤسف جداً ظهور الكثير من العادات والممارسات التي انتشرت في المجتمع والتي منها هذه الألعاب وغيرها، سواء أكانت في شهر رمضان أو غيره من الأشهر، فنرى الصغير والكبير يلعب، وكأن في العمر فائضٌ وزيادةٌ عن حاجة وجوده ويريدُ التخلّص منه! نعم، لا بأس إن كان هناك ضغط كبير وقع على الإنسان بسبب عمله او مسؤولياته المختلفة ويريد ان يُنفّس ذلك الضغط بشيء معين كالتسلية مثلاً، ولكن هل بالضرورة ان تكون تلك التسلية هي لعبة ما؟ أقول: ليس بالضرورة ان تكون التسلية لعبة، ربما تكون التسلية بقراءة كتاب معين أو زيارة أصدقاء أو غير ذلك. واقعاً شهر رمضان هو شهر توجه وتقرب، شهر ترميم علاقتنا بالله سبحانه وتعالى عما صدّعها من أعمالنا وافعالنا خلال السنة التي مضت، نحن قلنا: إن الله سبحانه وتعالى عندما نَسب هذا الشهر لنفسه، وأبلَغَنا رسوله: (رمضان شهر الله)[1] حينئذ ينبغي ان نؤدي ما يقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، فهل أن لعبة المحيبس وغيرها أو السهر على البرامج التلفزيونية يقرب الى الله سبحانه وتعالى؟ قطعاً لا، لا يقول بذلك لا عاقل ولا أحمق.

 لقد أوجد الله تعالى لك فرصة عظيمة على مدى ثلاثين يوماً، فاستغل هذه الفرصة في أن تتقرب له، استغلها في أن ترفع من رصيدك الاخروي، استغلها في أن ترفع من رصيدك الدنيوي وليس الاخروي فقط، بالأعمال الصالحة والنافعة لذاتك ولغيرك، وليس ان تضيعها وتضيع عمرك باللعب، وهو عُمرٌ محسوب عليك بالأنفاس، واقعاً إن هذه من المشاكل الكبرى التي تواجه المجتمع المؤمن، وللأسف يوجد إعلامٌ وتشجيع قويٌ عليها، حتى أصبحت في الآونة الأخيرة تُنقَلُ على الفضائيات وكأنها حدث مهم يسترعي الانتباه والتفرغَ لمتابعته…حيثُ رجالٌ، كبارٌ، عقلاءٌ يبحثون عن خاتَمٍ صغيٍر، في أي يدٍ هو؟ هذه مشكلةٌ ومأزقٌ اجتماعيٌ كبير. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

[1]– الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص124

سماحة الأب المربي. خلال الصوم في شهر رمضان وخصوصاً في الصيف يواجه الصائم مجاهدة في صيامه حيث طول نهار الصيف وشدة حرّ أيامه، ورغم ذلك نرى هذا الصائم بعد انقضاء شهر رمضان قد رجع الى بعض الأفعال والصفات التي كانت موجودة عنده قبل صيامه وكأنه لم يستفد من مجاهدته في صيام هذا الشهر شيئاً؟!

الجواب

المسألة ليست هكذا واقعاً، حيث إن وجود الصعوبات في الصيام من مجاهدات ومخالفات لرغبات النفس الأمارة بالسوء ليست داعية قطعية لتَّبدل الصفات وتغييرها، نعم على مستوى من المستويات قد تُضعِّف بعض الرغبات النفسية، وقد يُكسر شيء من شوكة النفس الأمارة بالسوء. كما إن الشيء الآخر أنه يوجد في شهر رمضان – لو جاز التعبير– عناية إلهية خاصة بالصائم، من قبيل:

– تضعيف بعض الجوانب السيئة الموجودة في الإنسان سواء كانت داخلية أو خارجية مثل قوة النفس الأمارة بالسوء، الشيطان وغيرها.

– تقوية بعض الجوانب الإيجابية أو الحَسنة الموجودة في داخل الفرد الصائم.

وهذه جميعها تُعتبر مُساعِدات وهبات إلهية في شهر رمضان، لكنها تنتهي مع نهاية الشهر، نعم يمكن للفرد ان يستفيد من شهر رمضان للشروع ببعض الأفعال أو الأعمال العبادية بحيث يستصحبها الى غير شهر رمضان، أما أنه تتبدل طبائِعه أو تتبدل أخلاقه أو تتبدل بعض السجايا الموجودة عنده فهذا شيء مُستَصعب إلى حدٍ ما.

السائل: هل سبب ذلك هو قلة المدة سماحتكم؟

الجواب: لا بأس بذلك. نحن نقول وكذلك علماء الأخلاق (أن تكرار الأفعال يؤدي الى تبدل الصفة) لا بأس بذلك، حينما يستمر الشخص على فعل معين بمعنى (يكرر هذا الفعل) فإن الفعل سوف يمر بمراتب ومراحل تتدرج من صعوبة عمل الفعل إلى استساغة عمله ثم إلى محبة الفعل فالإدمان عليه، هذه هي المراحل المعهودة او المعروفة، لكن بالنسبة لمجاهدة النفس الأمارة بالسوء فاعلم، أن النفس باقية ما بقي الإنسان، نعم تختلف أو تتبدل من ناحية الرقي المرتبي، بدلاً من أن تكون شهواتها بالطعام والمنام وغيرها، تتحول إلى شهوة بالدرجات والمناصب العليا وهكذا، ولكن جوهر النفس باقي، وإلا لا قيام للإنسان بدون نفس، فلا بأس بالاستمرار على تكرار الفعل الواحد، فعلى سبيل المثال أن شخصاً معيناً خلال شهر رمضان يحاول قدر الإمكان أن يتجنب مرض ورذيلة الغيبة، لكنه يتوقف عن ذلك بعد انقضاء الشهر فإن احتمالية رجوعه لهذه الرذيلة ستكون كبيرة، أما إذا استمر بهذا التجنب الى ما بعد شهر رمضان ربما لشهرين أو ثلاثة أشهر وبإصرار وارادة فإن هناك احتمال كبير أن يصل إلى مرحلة عدم استساغة الغيبة لأنه بدأ يراها شيء قبيح وغير جميل، ولكن الامر يحتاج الى إرادة جادة وفترة زمنية كما قلنا.

سماحة الاب المربي الشيخ منتظر الخفاجي. ورد في كتاب سماحتكم الموسوم ومضات تربوية عن (الصوم لله تعالى) قولكم: (ينبغي تخلية القلب وتنزيهه عن مسببات الشر والفساد وهي الصفات الدانية والأخلاق الرذيلة)[1] ونود من سماحتكم ان تبينوا لنا بعض مراتب تخلية القلب؟.

الجواب

جزاكم الله خير الجزاء على هذا السؤال فهو سؤال مهم جداً. إن من أفضل الاعمال وأكمل الأفعال التي يؤديها العبد سوآءا أكان في شهر رمضان أو غيره من الأشهر هي أعمال التزكية أو التجرد من رذائل الصفات ودواني الاخلاق، وحيث ان منشأ كل الأفعال التي تصدر من الانسان هي الصفات والسجايا الموجودة في باطن الانسان؛ لذا فإن هذه الصفات ان كانت صفاتاً حسنة فانه سيصدر منها افعالاً حسنة، والعكس ان كانت صفاتاً سيئة فإنها ستوّلد افعالاً سيئة أكيداً، أما اذا أراد الانسان ان يولّد افعالاً تخالف سجاياه وصفاته الباطنية السيئة ويظهرها افعالاً حسنة فإنه حينئذ سيحتاج الى مكابدة ومجاهدة وتكّلف كبير حتى يصدر فعلاً مخالفاً لسجاياه ، كما يفعل المنافق مثلاً.

   أنا أجد أن أشرف الاعمال هي بلا شك أعمال التزكية والتحلي بالأخلاق الفاضلة أو العليا، حيث ان الانسان من خلال وجوده في هذه البيئة -عالم الدنيا- له قابلية كبيرة  للاكتساب منها، فيكتسب الحسن والسيء والخبيث والطيب وهكذا، وينتج عن ذلك الاكتساب حصول تعلق بالكثير من الأمور وتغييرٍ في كثير من صفاته  التي نزل بها من العالم الذي سبق عالمنا هذا (طبعا ليس تغييراً جذرياً لو جاز التعبير كونها صفاتاً ذاتية يصعب تغييرها بذلك العمق) لذا فان العاقل من يجعل من شهر رمضان منطلَقاً لاستهداف غاية محترمة وسامية ألا وهي تهذيب صفاته الباطنية فيبدأ في محاولة معرفة نفسه وماهي الصفات الموجودة في باطنه من رذائل وفضائل، وهو أمر ليس مستصعب لقوله تعالى (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)[2] فيعرف ما هي الصفات الحسنة والسيئة الموجودة فيه والتي تتولد منها أفعاله والتي على أساسها سيقيمّه الناس من حوله، فيحبوه أو يكرهوه والتي ايضاً على أساسها أيضا سيقيّمه أهل السماء فيحبوه أو يكرهوه ..الخ؛ حينئذ إنْ رأى فيه تلك الصفات السلبية السيئة فإنه يجب عليه أن يبادر للتخلص من تلك الصفات، فمثلاً لو وجد أن لديه صفة التكبر ورأى أن هذه الصفة تسبب بابتعاد الناس عنه، أو تسبب له سيئاتٍ تسجلها الملائكة الكَتبَة، أو تجعله عبداً غير محترم من قِبَل ربه الله سبحانه وتعالى أو غير ذلك، باعتبار أن هذه الصفة واقعا هي مرض ولا يوجد هناك من يحب المرض أكيداً، حينئذ هو سيسعى للتخلص من صفة التكبر بغض النظر عن دافع هذا السعي إن كان من أجل فائدة دنيوية أو أخروية أو معنوية، يعني كمن يريد ان يتخلص من هذه الصفة كي يحبه الناس، لا باس بذلك المهم هو السعي للتخلص من هذه الصفة.

 فكيف نستطيع أن نغير هذه الصفات؟ أقول: ان المتعارف عليه عند أهل الاختصاص ان توليد صفةً ما ينتج من تكرار الأفعال المناسبة لتلك الصفة أو الأفعال المتولدة عن تلك الصفة، مثلا نريد ان نوّلد ونثبّت صفة الكرم فإنه يجب علينا أن نواظب على أفعال الكريم الى ان تكون هذه الأفعال محببة لدينا، طبعاً الوصول الى تثبيت صفة الكرم في مثالنا يكون على مراحل:

المرحلة الأولى: وفيها يكون فعل الكرم والانفاق فيه صعوبة لوجود صفة البخل وعرقلتها لفعل الكرم.

المرحلة الثانية: والتي تكون بعد مدة من المرحلة الأولى حيث يبدأ فعل الكرم بأن يكون طبيعيا ًويتحقق بسلاسة وبدون تكلف ومكابدة.

المرحلة الثالثة: انه سيُحب فعل الكرم.

المرحلة الرابعة: فيها سيعتاد الفرد وربما يُدمن على فعل الكرم، فتثبت عنده صفة الكرم وتصبح صفة ذاتية، وبالتالي ستنتفي وتزول صفة البخل منه.

من ذلك نقول: الانسان إذا أراد ان يكّمل شخصيته فإنه يحتاج الى ان يعرف نفسه وما يوجد في داخل وكيانه ثم يميز بين رذائله وفضائله ثم يحاول ان يتجرد ويتخلص من هذه الرذائل عن طريق العمل بما يُضاد هذه الرذائل مع تكرار هذا العمل، وهذا من طرق التخلية على المستوى الاولي حيث توجد طرق أخرى هي أعلى من ذلك قد يطول مقام الحديث بشرحها.

 

[1]– الشيخ منتظر الخفاجي، ومضات تربوية، ص 128
[2]– سورة القيامة/ الآية 14

سماحتكم يتضح من قول الله تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعمَلونَ)[1] أن الايمان مراتب ودرجات فهل يستطيع المؤمن أن يعرف ويشعر باختلاف درجة ايمانه صعوداً أو نزولاً؟

والشِق الآخر من السؤال: لماذا لا نرى الإنسان يسعى لتغيير درجاته الإيمانية؟ ويرضى بما هو عليه من درجة؟ هل لإرادة الإنسان دخل في ذلك أم هي الإرادة الإلهية؟

الجواب

قطعاً لا، ليست الإرادة الإلهية، الله سبحانه وتعالى يريد لعباده الآخرة والمنازل العليا أكيداً (وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)[2].

بالنسبة للشِق الأول من السؤال: المسألة تحتاج إلى شيء من الصفاء والالتفات، أحياناً يوجد شخص يسير في طريق الإيمان لكنه لا يلتفت الى أين وصل، ربما يدفعه في مسيره هذا هو الشعور الدائم بالتقصير أو الشوق الى الغاية، فلا يلتفت الى أين وصل إطلاقاً، لكن أحياناً ينبهه الله سبحانه وتعالى الى ذلك، فمثلاً أنا اليوم عندي صفة معينة أو عندي نقص معين، بعد فترة أكتشف ان هذا النقص اختفى، هنا الله سبحانه وتعالى نبَّهني على أن هذا النقص زال واختفى، ولربما اختفى بسبب أفعال عبادية او بسبب استغفار أو بسبب عمل صالح الخ.. ، الإنسان إذا رجع الى الوراء لو جاز التعبير -اقصد رجع بالنظر- فإنه سينظر إلى حاله في السنة الماضية وهذه السنة ويُقِيم قيامته -لو جاز التعبير- ويحاسب نفسه من خلال رؤية سيّئاته وحسناته، هنا سوف يستشعر ويرى الفرق، سيرى أن كثيراً من الأمور والافعال غير المحببة والتي كان يقوم بها ويفعلها قد أنتفت وزالت، يرى كذلك أن بعض الصفات التي كان يتصف بها قد قلّت أو ضَعُف أثرها، طبعاً أقصد إذا ما كان مسيره إيمانياً فسوف يرى وجود فروقات أكيداً، أضف إلى ذلك أنه في بعض المواطن – كما ذكرنا – ان الله سبحانه وتعالى سوف ينبهه على ان مستواك أصبح أفضل من السابق؛ لكي يعطيه حافزاً ودافعاً للمسير أكثر، فهذه كلها ترجع إلى الفرد نفسه، أحياناً يلتفت لحاله ويرى وجود فرق معين.

أحياناً البعض من مُحبّيني أُبين أنا له: أنك كنت كذا في العام السابق -إذا كنت تتذكر-؟ والآن أصبحت كذا، فيقول لي أنا لست منتبهاً لذلك، طبعاً جزاه الله خيراً ربما زهداً منه بهذه المسألة، فيقول لي: المهم أني أسير لله سبحانه وتعالى وأين ما يُقدِر لي الله أن أصل … أصل، فليسَت مسألة الالتفات إلى مستواه الايماني ورقُيهِ من مرتبة الى مرتبة اخرى هي مسالة صعبة، سيرى انه أصبح لديه وَرَع عن بعض المحرمات وعدم استساغة لبعض الأمور السيئة وانه أصبح لديه مستوى من الترفُّع؛ وذلك قطعاً فيه دلالة على أن المستوى الإيماني لديه ارتفع.

السائل: وبالعكس عند نزول الدرجات؟

الجواب: نعم وبالعكس نفس الشيء، حينما ينزل سيعرف أنه نازل (بَلِ الإِنسانُ عَلى نَفسِهِ بَصيرَةٌ)[3] بصيرة: أي يرى ويسمع.

السائل: يعني لا يُعذَر بالغفلة؟

الجواب: فيما يخص مسألة الغفلة، فإن بعض الغفلة هي من الإنسان وبعضها ليست منه، فالله سبحانه وتعالى- أحياناً- يُنزِّل عليك الغفلة لأن مصلحتك تتطلب ذلك في مواطنٍ معينةٍ، أما الغفلة الأخرى التي هي من الإنسان، فأكيداً هو مُحاسَب عليها، لان الغفلة نِتاج أعمال وأفعال هو قام بها، وإلا لماذا أتته الغفلة؟.

 

[1]– سورة الانعام/ الآية 132
[2]– سورة الأنفال/ الآية 67
[3]– سورة القيامة/ الآية 14

شيخنا العزيز. المتعارف لدينا أن العبادة في شهر رمضان هي إحياء ليلة القدر وإطعام الناس، فهل هناك عبادات أخرى يمكن إضافتها الى هذا الشهر الفضيل؟

الجواب

 جزاكم الله خير الجزاء.. واقعاً مثل ما تفضلت، إن لدينا اقتصاراً على عبادات محدودة في شهر رمضان والتي منها صلاة المئة ركعة، والصدقات -والتي ربما تذهب في غير مواردها-. وكما بيّنا سابقاً أن شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالى والذي ينبغي خلاله أن يتقرب الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى بقدر ما يستطيع، وحيث ذكرنا أن له خصوصيات معينة من قبيل إن فيه تَضعُف النفس الأمارة بالسوء وتتقيّد الشياطين وتُضاعَف الحسنات… الخ، لذا فهو فرصة ينبغي على الفرد أن يستثمرها، وكما قلنا في السابق ان ما يقرر مصير الفرد في سنته القادمة هو ليلة القدر في هذه السنة، فحينئذ هذا الإنسان – الذي يشتكي قله الرزق أو يشتكي المرض والبلاء- إذا أراد أن يُغيّر قدّره، فعنده فرصة حقيقية والتي هي ليلة القدر في شهر رمضان، فنقول ان بإمكانه أن يؤدي بعض الأعمال التي تكون كفيلة بتغيير مصيره في السنة القادمة، وليس فقط الاقتصار على العبادات أو كثرة العبادات، بإمكانه أن يضيف بعض المفردات إلى حياته، يضيف مثلاً مفردة التفكر لربع ساعة، يتفكر فيها بآيات الله سبحانه وتعالى، أو يضيف مسألة الاستعانة باللّٰه، أو مسألة التوكل على الله سبحانه وتعالى في بعض الأمور، يضيف مسألة إدخال السرور على قلب المؤمن. لدينا الكثير من المفاهيم الايمانية الحقيقية والعبادية قد عُطلّت، فأصبح ما يقرره الانسان في هذه السنة هو نفسه ما يقرره للسنة اللاحقة، وهكذا لن يتحقق تغيير، لماذا؟ لأن الانسان نفسه غير جاد او ملتفت لطلب التغيير، أنا دائما أقول: إننا نقف أمام الله سبحانه وتعالى في الصلاة ونكذب عليه نهاراً جهاراً (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[1] فأين وجه الاستعانة؟ متى استعنت به؟ انت تقول له (إياك نستعين) إذاً خصصته بالاستعانة، وانت لم تستعين به طرفة عين واستعنت بفلان وعلّان وغيره، واقعا ان الاستعانة من العبادات المعطلة فلماذا لا يحييها الإنسان في شهر رمضان؟ ويستعين باللّٰه سبحانه وتعالى في المرض ويستعين باللّٰه على أحواله او غير ذلك من الأمور. القصد -وجواباً على سؤالك- هنالك مفردات كثيرة يستطيع الإنسان أن يضيفها إلى عبادته في شهر رمضان ونفسها ليلة القدر (أحياء ليلة القدر) فليس بالضرورة ان تصلي فيها المئة ركعة، بإمكانك ان تقلل المئة ركعة وتضيف لها ساعة تفكر، او تضيف لها ساعة ذكر، أي عبادة أخرى، فيجب أن يكون هناك تنوع في العبادة وليس الاقتصار على مفردات محدودة منها.

السائل: قلتم في إحدى المحاضرات بأن شهر رمضان يعتبر سنة إيمانية جديدة ستُبنى مصائرنا وأرزاقنا واقدارنا وفق هذه السنة الجديدة، هل هذه السنة تتحقق في شهر رمضان أم في ليلة القدر؟

 

الجواب: كلا، هي ليلة القدر تحديداً، هي التي تُقدّر بها الآجال والأرزاق… إلى آخره.

الله سبحانه وتعالى عندما يبين لنا أن ليلة القدر هي ما يقدر فيها مصائرنا (مصير الإنسان) فلماذا بيّن لي ذلك؟ أي ماذا سأستفيد منه؟ هو بمعنى يقول لي: يا عبدي جِدّ واجتهد لأجل أن يكون مصيرك القادم أفضل من السابق، لا أكثر من ذلك، طيب: كيف يكون مصيري أفضل من السابق؟ جوابه أنه يقول لك: غيّر، وانا لدي قاعدة (إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)[2] إذاً غيّر حتى يتغير مصيرك.

 والتغيير تارة يكون تغيراً نفسياً وتارة تغيراً عقلياً وتارة تغيراً قلبياً وتارة يكون تغيراً في العادات، أحيانا يعتاد الإنسان على بعض الامور والتي تجعله ضمن نظامها او على خط نظامها فعندما يُغير سيحدث تغييراً في خط نظامه، الآن أنت مُقيّد في نظام معين وسبب تقيدك بهذا النظام هو مستواك الكلي، فعندما تُحدث تغييرات في حياتك فإنك سوف تنتقل من هذا الخط النظامي إلى خط آخر، أي أنك تصبح ليس من أرباب هذا الخط وغير مؤدي لملازمات هذا الخط ولا مفرداته، فعندما تأتي في ليلة القدر التي يكون بها التقدير -لو جاز التعبير- وتقطع على نفسك: من أنني خلال هذه السنة الإيمانية (التي سميناها بالسنة الإيمانية) من هذه الليلة المباركة الى ليلة القدر القادمة سوف أعمل برنامجاً، أتجرد فيه مثلاً من حب المال أو أقلل من النظرة الشهوانية لديَّ أو أبرء ذمتي من تبعات الناس عليّ وأعمل كذا وكذا فإنك تكون بذلك قد عملت برنامجاً سنوياً كجدول أعمال، فلو أديته خلال هذه السنة وبنيّة صادقة – والتوفيق من عند الله، وليس شرطاً أن تطبق كل فقراته- حينئذ  ستُغيّر بنصيبك الآن سواء أكان نصيبك الدنيوي أو الأخروي أو المعنوي؛ لأنك غيّرت وعلى أساس تغيّرك سوف يتغير نصيبك، فالمفروض في ليلة القدر (بما أنها تعتبر لنا فرصة حيث يَقوى لدينا الجانب الايماني ويضعف لدينا الجانب الظلماني) نقول اننا نستطيع أن نجعل من ليلة القدر انطلاقة حقيقية إيمانية نحو تغيير أفضل من السابق، وهذا شي لطيف جداً، فأن تحقق ذلك فسوف يصبح التكامل مستمراً والسنة اللاحقة ستكون أفضل من السابقة وهكذا كل سنة؛ حينئذ لن يحتاج الانسان الى الشكوى على الله يومياً! ويقول له لماذا تفعل بي هكذا ولماذا لا تفعل لي كذا، لأن الواقع أن ما يحصل هو من فعل يديك، وبمعنى آخر، أنت سألت الله سبحانه وتعالى بلسان هذا الفعل أن يفعل لك كذا وينزل عليك بلاءه، فأنت الذي أوجبت ذلك ورضيت به.

السائل: سماحتكم لو كانت نية العبد تغيير مصيره القادم وإن عمله في شهر رمضان (في ليلة القدر) بنيّة التغيير من باب الطمع، فهل تستجيب الإرادة الإلهية لهذه النية أم لا؟ اقصد من مقتضى ان تكون نية العبد طاهرة ومجردة من أي مورد آخر.

الجواب: لا بأس بذلك، حينما نقول بنيّة خالصة مُخلّصة نتكلم عن مستويات أخرى بصراحة، لكن على مستوى العامة لا بأس بذلك وان كان فيها شائبة، فإذا كانت نيّة العبد أن يُحدث تغييراً بحياته، سواء كانت نيّته من أجل طمع دنيوي بنسبة ثمانين بالمئة مثلاً ونسبة عشرين بالمئة لأجل التقرب لله سبحانه وتعالى فلا بأس بذلك، فالله سبحانه وتعالى عادل، وكل شيءٍ يعطيه استحقاقه، نتكلم على مستوى الظاهر، واقعاً المحتاج مادياً إذا لم يلجأ الى الله فلمن يلجأ؟!!

السائل: هي قد تكون خطوة، والخطوة القادمة؟

الجواب: هي خطوة تؤهله الى خطوات أعلى من ذلك، ربما يصل بعد هذه الخطوة المعينة بحيث يرى ان الطلب المادي من الله سبحانه وتعالى هو شيء صغير، ومن غير اللائق أن أطلب من الله سبحانه وتعالى هكذا أمر!، أو قد يصل الى درجة أن يقول فيها: ان الله سبحانه وتعالى يُحبني وهو أعرفُ بمصلحتي فلماذا أطلب منه كذا؟، فعلى حسب المرتبة التي يصلها وعلى حسب الحال المُنزل عليه، يكون تأهله لخطوات أعلى في التغيير.

 

[1]– سورة الفاتحة/ الآية 5
[2]– سورة الرعد/ الآية 11

سماحة الأب المربي ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): {صيام القلب خير من صيام اللسان وصيام اللسان خير من صيام البطن}[1]. كيف يمكن للعبد أن يحقق صيام القلب ويستمر عليه بعد شهر رمضان؟.

الجواب

سؤال جيد جزاك الله خير الجزاء، وإن كانت مرتبة صيام القلب هي مرتبة صعبة وليست بالهينة صراحةً، حيث ان هناك مقدمات معينة لمراتب الصيام يجب أن يمر بها الإنسان حتى يبلغ مرتبة صيام القلب، ومع ذلك نقول: أن صيام القلب له عدة مستويات:

المستوى الأول: وهو مستوى التطهير القلبي الأولي، المقصود منه التطهير من رذائل الأخلاق أو الحجب أو الريون، أي يصوم القلب عن السماح بدخول هذه الامور والتي تسبب بُعد القلب عن الله سبحانه وتعالى وتسبب تلويث القلب، هذا مستوى.

المستوى الآخر: مستوى عدم النظر القلبي لغير الله سبحانه وتعالى، فينقطع القلب عن كل ما سوى الله (ما رأيت شيء إلا رأيت الله قبله وبعده ومعه)[2].

المستوى الثالث: بما ان القلب هو مسكن الرحمن فيجب أن يحصل تفريغاً تاماً للقلب، وحيث أن الصيام هو انقطاع عن كل شيء، فيجب ان يحصل انقطاع في القلب وذلك بتفريغ كل ما هو موجود في القلب وإخلاء ساحة القلب للحق جل جلاله.

 

السائل: سماحتكم، وهذا الصيام غير مقتصر في شهر رمضان؟

الجواب: لا، ليس له علاقة بشهر رمضان إطلاقاً، لكن خير البدايات ما كانت في شهر رمضان، وحقيقة هذا صعب على عامة الناس، نعم قد يستطيع أن يؤديه الخاصة، أما العامة فيصعب عليهم، لكننا نقول: لماذا طرحه الأمير (سلام الله عليه)؟ بمعنى أنه عندما بيّنه وفصّله لنا ماذا يريد منا؟ أكيداً أنه يريدنا أن نؤدي هذا المستوى من الصيام، ولا نقتصر على صيام البطن أو صيام اللسان أو صيام النظر، حقيقة أن كل ما ورد في صيام القلب يكون دافعاً نحو التوحيد، لهذا الصائم سيوحد الله سبحانه وتعالى في هذا الفعل، وسيوحِّده في النظر والسماع، سيوحِّد الله في قلبه، كذلك من ضمن صيام القلب هو عدم التعلق بغير الله سبحانه وتعالى، أي الصوم عن التعلقات بالأمور والاشياء الدنيوية.

السائل: أي شيء ما دون الله؟

نعم أي شيء، أنا متعلق بهذه ومتعلق بتلك! بينما المفروض أن أتعلق بالله سبحانه وتعالى فقط، أنا نزلت الى الدنيا لأجل ماذا؟، لأداء رسالة إلهية، نزلت لأكمّل الصفات الناقصة، وأن أصل الى الغاية التي خلقني الله سبحانه وتعالى من أجلها، وليس لأجل أن أجمَع، لا بأس بجمع أدوات عملٍ، مثل كاميرا أو موبايل لا بأس بذلك، لكن ليس التعلق بها، أنت إملك الدنيا كلها ولكن لا تتعلق بها، قلبك خاص لله سبحانه وتعالى، فقلبك هو حرم الله تعالى.

السائل: سماحتكم، كان هذا صوم القلب، فما هو قولكم بصوم العقل وهل له موارد؟

 صوم العقل هو قطع التفكّر بالأمور المُبعدة عن الله سبحانه وتعالى، صوم العقل -إن جاز التعبير- يكون كما قيل {أن تجعل همك هماً واحداً وتفكر فيه} وإن كان هذا القول في مورد آخر لكن لا بأس بذلك، صوم العقل أن تجعل من العقل أداة لله سبحانه وتعالى بحيث تقطع كل الواردات والأفكار والخيالات المُبعِدة عن الله سبحانه وتعالى، فتصوم عنها، لا أن يكون عقلك مَسرَح لكل شيء، ثم أن توسيع العقل لغير ما خُلق له، شيء غير جيد أكيداً، على الفرد أن لا يفرح بأن لديه عقلاً كبيراً! كبير بماذا؟ بأمور تافهة! هذا ليس بكبير، أضرِب مثلاً وإن كان غير لطيف لكن، سلة المهملات مهما كبُرت فهي سلة مهملات، العقل إذا كان مسرحاً للأفكار السيئة والهادمة ومسرحاً للخيالات الفاسدة وغيرها، فمهما كبُر سيكون عبارة عن ضرر، فيصوم الإنسان بقطع الأفكار وإن كانت نافعة ولكنها غير إلهية بمعنى أنه يكون متوحداً بالفكر تجاه ما يوصل الى الله سبحانه وتعالى، وحسب مرتبة الشخص، فكلما يصعد درجةً في ذلك يفتح له الحق مستوىً جديداً.

 

[1]– الريشهري، ميزان الحكمة، ج2، ص 1687
[2]– التبريزي الانصاري، اللمعة البيضاء، ص169

سماحة الأب المربي الشيخ منتظر الخفاجي. ماهي أنسب الأعمال للصائم، في يوم العيد؟

الجواب

  يعتبر يوم العيد يوم فرح لأنه -حسب فهمي والله العالم – أن الصائم أدى ما فُرِض عليه من الصيام، وكذلك تَقرّب الى الله سبحانه وتعالى أكثر، فقَلّتْ ذنوبه وكثُرتْ عباداته وإحسانه في هذا الشهر، فحريٌ بأن يعقب ذلك فرحاً ويكون يوم العيد يوم فرحٍ، لكن نستطيع أن نستثمر يوم العيد -وإن كان هنالك استثماراً لا بأس به عند البعض- نستطيع ان نستثمره بالتزاور، نستثمره بالعفو والتسامح، نستثمره بإزالة الضغائن من الصدور- مثلاً (فلان) يحمل في صدره شيء تِجاهي فأنا اذهب إليه لأُزيل منه هذا الشيء، نستثمره ونستفيد منه بالتهادي، أنا اليوم أقدم لك هدية، أو أنت تقدم لي هدية، وأيضاً في التواصل، ومواصلة الارحام، والإحسان وغيرها أمور كثيرة، حيث إننا في شهر رمضان نُرَمِّم علاقتنا بالخالق، وفي العيد نُرَمِّم علاقتنا بالمخلوقين، فيستطيع الإنسان أن يستثمر هذا العيد بالإحسان للخَلقِ… وهذا أفضل شيء أراهُ، إجابةً لسؤالكم الكريم.

سماحة الأب أيدكم الله تعالى. حيث ان شهر رمضان يأتي كل سنة، فهذا يعني ان الصوم يتكرر لكل إنسان مرةً كل سنةٍ من سنين حياته، وفقاً لذلك، بماذا ينصح سماحتكم الصائمين؟ وهل للصيام فلسفة منهجية يسير عليها الصائم خلال سنين حياته؟.

الجواب

لا تُحمّل الناس ما لا يطيقون. على الصائم أن يحاول المقارنة بين صيامه السنة الماضية وصيامه هذه السنة من حيث التغيرات التي حصلت له، أنا قبل كم يوم جاءني أحد الأخوة عزيز على قلبي قال لي:

شيخنا أنا في شهر رمضان هذا أفضل من السابق.

قلت: له من أي ناحية؟.

قال: من الناحية المعنوية.

قلت: له كيف قِستَ هذا الشيء؟.

قال لي: عندما أقرأ القرآن أشعر بوجود قرب كبير بيني وبين القرآن.

على حد تعبيره هو جزاه الله خير الجزاء.

يقول لي: في السنة الماضية عندما كنت أقرأ القرآن كأنما كان القرآن يطردني، كنت غير مقتنع بقراءتي، بل حتى أحياناً تحدث لدي أخطاء, والسبب هو عدم وجود حضور قلبي مع القراءة، أما مع وجود الحضور القلبي، لن تشعر أنك تقرأ القرآن.

فالمفروض أن يضيف الصائم بعض المفردات من سنة إلى أخرى.

السائل: تغيير يعني؟

الجواب: أكيداً يجب أن يغيّر. الآن، أنت في شهر رمضان هذا لديك مفردات معينة، لديك صلاة ودعاء وصدقة وغيرها، حاول السنة القادمة في شهر رمضان -إن لم تستبدل أغلب المفردات- أن تضيف مفردات جديدة إلى هذا الشهر، على سبيل المثال: أقدّم لله سبحانه وتعالى شيء معين والتي هي التقدمة، كأن أقوم بعمل قربوي جديد لم أقم به في رمضان السابق، أو أقرأ القرآن بصياغة تختلف عن الصياغة القديمة أو السابقة، بمعنى بدلاً من أن اقرأ القرآن لأجل الثواب، أقرأه لأجل الفهم وأخذ التعاليم وهكذا …فحينئذٍ بما ان الإنسان في تقدّم مستمر فالمفروض أن يكون هنالك إضافة أو تغيير في السنة القادمة بقياس السنة التي قبلها، وهذا أنفع له أكيداً.

سماحة الأب المربي أيدكم الله تعالى

نلاحظ في شهر رمضان ان البعض يكون منزعجاً ويبدو عليه الغضب في البيت أو في الشارع أو في العمل بل حتى انه دائماً ما يُهمل عمله بحجة إنه صائم. فما هو تعليقكم على ذلك؟

الجواب

واقعاً ان الصيام لأرباب النفوس أي (أصحاب المستوى النفسي) يُشكل ضغطاً نفسياً شديداً عليهم، وكما ان (المريض تتبدل أخلاقه) فتجده حين المرض جزوعاً وسريع التحسس، كذلك بالنسبة للصائم فان شدة الجوع والعطش وغيرها تجعله سريع الانزعاج وسريع الغضب، وهذا ليس المفروض بل المفروض هو الاستفادة من الصيام بأكبر قدر يستطيعه الإنسان، ان من أهم عطايا شهر رمضان هو الصبر، يُعّلم الإنسان على الصبر، ليس الصبر على الجوع والعطش فقط …لا؛ بل الصبر على ما يُحمّله على ذلك الجوع والعطش من أمورٍ خلال حياته اليومية، مثل سماع (كلمة ما) مؤذية أو مزعجة وغير ذلك، فإذا استطاع الإنسان أن يتحملها وهو صائم حينئذٍ يكون قد ارتقى إلى مستوىً جديد في صبره وتحمُّله في حِلمه.

ان شهر رمضان هو شهر العطاء المعنوي، طبعاً يوجد فيه عطاء مادي أكيداً، لكن الواقع انه شهرُ عطاءٍ معنوي، فالله سبحانه وتعالى يفيض بالعطاء المعنوي والعطاء الروحي للبشرية أكثر من العطاء المادي، حينئذٍ فان استخراج بعض الطاقات من باطن الإنسان تحتاج الى محكّات حقيقية، فتكون الإزعاجات هي المحكّات التي تستخرج مستويات جديدة من الصبر والتحمُّل والمودوعة تكويناً في باطن الإنسان. المفروض من الصائم الا يكون جُلَّ همه الخلاص من تكليف الصيام وإنما همه أن يتقبله الله سبحانه وتعالى بأحسن درجات القبول، والتقبّل بأعلى درجات القبول يتطلّب منا الصبر والقيام ببعض المستحَبات، يتطلب منا كَف الأذى قدر الإمكان وصوم الجوارح وغيرها من الأمور التي هي من الكمالات الإيمانية للصيام، فالمفروض ان يأخذ الصائم كل ذلك بعين الاعتبار، وإلا فإنك صائم وجازع وغاضب على الناس كلا، لا تصم أحسن! واقعاً كُفَّ أذاك عن الناس أحسن من صيامك مع وجود الأذى، الله غني عن صيامنا وعن صلاتنا، نعم هي مشكلة كما تفضلت في سؤالك، وقلت لك انه يوجد ضغط نفسي ولكن المفروض ان نتجاوز مستوى الضغط هذا.

السائل: يعني هكذا إنسان غاضب أو منفعل دائماً هل تَقلُ درجة صيامه؟

الجواب: ليست تَقِل، بل احتمال كبير لا يُقبل صيامه، يعني أنت تقدم صيامك لله (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أُجزى به) على قراءة السيد الشهيد[1] وليس (أَجزي به) بل (أُجزى به) بمعنى أنه جزاء لله سبحانه وتعالى إزاء ما قدم الله من نِعم، حينئذٍ ما هذا الذي تقدمه لله سبحانه وتعالى؟ إما أن تقدم شيء يليق بجلال الله أو يا أخي لا نريد تقدمتك، لا تقدم شيءً لله به غضب وجزع وغير ذلك، لا تقدم ما لا يليق أن تقدمه في حضرة الله، مثلا مُصَلي ليس بوعيه ويقف بين يدي الله ويقول الله أكبر، والله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ)[2] بمعنى عندما تكون صاحياً وواعياً لما تقول، عندها فقط تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى أو تتصل بالله أو تصلي لله سبحانه وتعالى لا بأس بذلك، أما هكذا صيام مشوب بالغضب والانزعاج وغيره أنا أعتقد انه لا يرفع الى الله سبحانه وتعالى.

 

 

تم بحول الله وقوته كتاب الجواب

 في 25 ربيع الثاني 1445   الموافق 9/11/2023 م

 

[1]– السيد محمد محمد صادق الصدر، فقه الاخلاق، ج1، باب الصوم، ص 343
[2]– سورة النساء/ الآية 43

شكرا لترك بصمة تواجدكم معنا .........