سياسة النفوذ في مساحة الخضوع

سياسة النفوذ في مساحة الخضوع 1
السياسة وضيفتها تسييس المجتمع الى صلاحه و تكامل بنيانه، فإن كانت سياسة خاطئة اوصلت دولَها الى شقاءها، وان كانت صائبة جعلت دولها منيعة، وكذلك هي تقريب الطروح والأفكار بين الدول المتقاربة او المتضادة فكرياً. لكنها أضحت تُقاس بمن يغلب رأيه على آراء الآخرين، ان كان بالإقناع تارة أو بالتطميع والتهديد تارةً أخرى، فأصبحت السياسة من كونها تسييس لأمور الدولة وشعبها إلى تنافس مستمر للهيمنة على الغير. ومن جوانب السياسة بل أظهرها وأقواها هي سياسة النفوذ ويعني ان يكون للفرد او الدولة السيطرة على الجهات الأخرى أفرادا أو دولاً، ويقابلها بالجهة الأخرى، خضوع تلك الدول لهذه السيطرة.
فسياسة النفوذ تتمثل في مدى التأثير النسبي الذي تمارسه الدول في علاقاتها المتبادلة، وغالبا ما يعتمد على القوة، أي القوة العسكرية وجعل بلاد تلك الدول تحت وصايتها وتغيير واقع حالها السياسي الى واقع تتبناه الدولة الحاكمة عسكرياُ، وهذا ما كان يمثل النسبة الاكبر في طريقة النفوذ لوقت قريب، حتى استحدثت بعض الاساليب والوسائل والطرق لنفوذٍ غير النفوذ المعتمد على القوة، فأصبحنا نرى دولاً صغيرة تهيمن على دولٍ اكبر منها من حيث مساحتها أو عدد سكانها؛ بل لربما حتى اقوى منها عسكرياً!!!، فاستخدمت نفوذها وسيطرتها عليها من غير عناء وجهد عسكري ومن هذه الطرق المستحدثة للنفوذ:

١. النفوذ السياسي:
وهو الهيمنة على الدول سياسياً بتغلغل الدولة النافذة على الدولة المستضعفة بالقرار السياسي والتأثير عليها، وذلك بعدة جوانب منها الأقناع والإبتزاز والتطميع والتخويف، بل اكثر من ذلك، وهو وضع افراد او احزاب تابعة لها في تلك الدول ليصبح القرار السياسي بيدها، فان وصلت تلك الأحزاب الى السلطة كانت تحكم بصورة غير مباشرة، وان لم تصل للسلطة تكون ادوات بيدها للضغط على القوى الأخرى التي بيدها الحكم، وفي كلا الحالين تكون هي الحاكم الفعلي، وان وجدت دولاً منيعة لها؛ تحركت لتخريب تلك الدول وتقسيمها لتكون مستضعفة، كي تتغلغل في كثير من مفاصل تلك الدولة وتُنشِئ احزاباً ومعارضة وابواقاً لها، فتكون هكذا دول اسماً على الخريطة فقط، أما واقعها فيكون منصهرا بسياسة الدولة المتنفذة.

٢. النفوذ الإقتصادي:
وهو ان تجعل دولة ما اقتصاديات دولٍ اخرى بيدها؛ حيث ان نظام أي دولة يكون مستقراً ان كان اقتصادها مستقرا. وبالتالي شعوب تلك الدول لا تنبس ببنت شفة؛ لان لا شيئ يحركها، فاستخدمت الدول المتنفذة ورقة الضغط الإقتصادي لتُحرِج حكومات الدول الاخرى على الخضوع لها لتنفيذ قرارتها، وإلا فسيف المجاعة مسلط على الرقاب؛ إن لم تخضع حكوماتها لها. وهذا ما نراه في انهيار اقتصاد كثير من الدول عن طريق الحصار الاقتصادي وما ينتج عنه من ضرب القيمة النقدية لعملات تلك الدولة وارتفاع اسعار البضائع فيها وتفشي الغلاء المعيشي وغير ذلك من الأساليب التى تؤدي الى زعزعة استقرار تلك الدولة، وبالنتيجة سخط شعوبها، وعند ذلك سيكون القرار لمن بيده سلطان المال؛ لذلك تم تأسيس العديد من الواجهات التي بيدها منافذ المال كالبنك الدولي وشركات النفط والذهب والسلاح والدواء…الخ لتكون ادوات للتحكم باقتصاديات الدول وبالنتيجة تحقق النفوذ على تلك الدول.

٣.النفوذ الثقافي:
وهو جعل ثقافة الدول النافذة هي المهيمنة والمؤثرة على مجتمعات الدول المستهدفة لأضعافها، وذلك بالطرق الأعلامية كالأخبار والافلام والكتب والندوات والمؤتمرات وغير ذلك، فان كان المجتمع المقابل ذو ثقافة رصينةٍ نجا، وان كان مستضعفاً ابتُلي بثقافات هجينة عليه، يميل اليها بأستحياء اولاً، حتى يُصار الى ان ينادي بتطبيقها، عندئذٍ تكون الدولة النافذة قد استطاعت ان تمد نفوذها للسيطرة على شعوب الدول المستهدفة بهذا الاسلوب، لانها بالنسبة لتلك الدول الأثقف والأفهم والاخ الاكبر الذي نتعلم منه! ان صح التعبير.
ومن الجوانب الأخرى للنفوذ هو النفوذ الوهمي أي ان توهِم دولةٌ دولةً اخرى بنفوذها عليها من خلال سلطتها على بعض احزاب تلك الدولة او سلطتها على بعض الأفراد والجماعات المتنفذة، فتُطلق دعايتها لتوهم شعب تلك الدولة وتصور لهم قوة وتأثير وجودها، فيتحركوا بأتجاهها لكسب رضاها.
وكذلك من اساليب النفوذ هو النفوذ الديني وذلك بان يتغلغل الى مجتمع الدولة الأخرى ليزرع فيه افراداً يَصِلوا الى الصفوف الأولى من المراكز الدينية ليحققوا بالتالى تأثيرهم السياسي من خلال قوة الاثر الديني في تلك الدولة.
وعليه اصبح مسمى النظام العالمي، والعالم أُحادي القطب، والقوى العظمى، والدول الصناعية السبع، وغير ذلك من المسميات في المستقبل القريب والبعيد، هو دلالة على السيطرة والهيمنة على ما دونهم من الدول.
اما الخلاص من سياسة الإخضاع والنفوذ، فانه لا يكون إلا بان تَعمَد تلك الدول الى تمتين سياستها وتعزيز اقتصادياتها و تقوية امنها( ان تركت لها الحرية)، وهو أمرٌ مستصعب التحقق بوجود الإرادات العظمى وتنافسها للوصول لغاياتٍ يعتقدون بصحتها على حساب تلك الشعوب.
وهذا ما سنكمله في مقالنا الثاني لكن بعنوان “الوعي السياسي للخروج من سلطة النفوذ”

حارث اللامي

اترك تعليقاً