{ قبس من آية }
– الخـــداع الجـــزء الأول-
قال تعالى ( إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ )
لا عجب إذا وردت في القرآن الكريم مجموعة من الآيات التي ذكرت بعض الصفات المتدنّية التي تنُم عن نقص في النفس البشرية، و هذا بذاته ليس عيباً بطبيعة الحال، بل هو عائد إلى طبيعة تكوين النفس البشرية أولاً ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ).
ثم المؤثرات الخارجية التي تنمّي وتساعد على تنشئة تلك الصفات ثانياً.
ثم حرية الإنسان واختياره لافعاله ثالثاً.
وهذا في الحقيقة واضح وغير مستغرب من جهة، وليس هدفاً لبحثنا هذا من جهةٍ اخرى، فلا حاجة للوقوف عنده.
بل أن الأمر اللافت للنظر، والذي يستحق ان نقف عنده هو نسبة تلك الصفات الناقصة ” الخداع، الكيد، المكر، الاستهزاء … الخ ” إلى الله سبحانه وتعالى، المُنّزه عن كل نقص ودنس وعيب…!
فكيف يصف الله تعالى نفسه بتلك الصفة ” وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ ” و لماذا …؟
وفي هذا المقال المتواضع محاولة للإجابة عن هذا السؤال :
عُرّف الخداع إجمالاً بأنه : أن يُظهر الانسان خلاف مايُبطن، فيُضمر الامر المطلوب، ويُظهر ما هو ضده؛ لتحقيق ما يصبوا اليه من المكاسب المادية أو المعنوية، أو لإلحاق ضرر ما بشخص أو جماعة وما شابه ذلك من المقاصد التي يراها ويطلبها.
وقد حُصر ” الخداع ” غالباً في جانب واحد وهو الجانب المذموم، فبمجرد سماع كلمة ” خداع ” ينصرف الذهن مباشرة الى الجوانب السلبية التي ينطوي عليها.
والحقيقة ان كون الخداع بهذا المعنى هو “ان يظهر الانسان خلاف ما يُبطٍن ” ليس سيئاً دائماً، بل له وجه آخر ايجابي، أو لنقل ان للخداع وجهان احدهما حسن والآخر قبيح.
فالوجه الحسن منه :
انه اسلوب من اساليب التربية التي قد يلجأ اليها ” ألاب، الاستاذ، المربي ” بُغية ايصال ما يريد ايصاله حين تُعجِزه الحيلة مثلاً، أو بسبب المستوى العقلي والفكري للمتلقي؛ لقصور أو تقصير فيه، أو لمجرد توصيل المعلومة واستخراج الطاقات، أو اكتشاف قدرات المتلقي بطريقة غير مباشرة.
فيكون هدف هذا الأسلوب هو استدراج المخدوع من أجل نفعه وتعليمه، أو زيادة في خبرته ومعرفته، أوتعزيز ثقته بنفسه، أو لتفعيل قواه بالسعي والحركة، ولكل نتيجة من تلك النتائج اسباب دعت لاستخدام هذا الاسلوب في التعامل مع المتلقي.
فيدعي الجهل مثلاً ؛ ليدفعه للتعلم وطلب المعرفة.
ويتظاهر بالضعف؛ لتحفيزه على السعي والحركة.
ويخفي عنه معرفةً ما؛ ليكتشفها هو بنفسه.
وللقارئ الكريم أن يتصور ما يشاء من الامثلة، ابتداءً من خداع الطفل الرضيع عند الفطام، إلى ما شاء ربي من الجوانب الحياتية والتربوية التي قد يَشغلُ فيها ” الخداع ” حيزاً ايجابياً مهماً.
…………… يتبع
باسم الخفاجي