{ قبس من آية }
– الخــداع الجــزء الثــاني –
وان الذي أخفوه ظناً منهم انه انتصار وتحقيق لمآربهم؛ اخفى الله تعالى في قِباله عدله وحكمته بعودة نتائج تلك الافعال عليهم؛ ما لم يتوبوا ويستغفروا ( ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍۢ لِّلْعَبِيدِ )
حينئذٍ يعلم المنافقون انهم ما خدعوا إلا أنفسهم، وليس هنالك من خادع لهم إلاّ هم، وكان غاية الامر الالهي، أو المعبّر عنه ” وهو خادعهم ” ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) فاظهرتم وأظهرنا، وأخفيتم وأخفينا ( فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ) ( فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
فيتضح في هذا القَبسِ جانبٌ من قوله تعالى ( وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ ) بعيداً عما ذهب إليه الغافلون، أو تصوره الواهمون، من وجود تلك الصفة و مثيلاتها على الحقيقة، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
و أن الخداع هنا ليس في جانبه الايجابي وما يشتمل عليه من اساليب للتربية والرعاية و التدبير فقط، بل هو تجلٍ للرحمة بالعباد، والمحبة لهم والعدل بينهم، وهو اسلوب من اساليب الدعوة للتغيير ولكن بطريقة مختلفة، فهو سبحانه قد ستر وأخفى عنهم ما يؤذيهم فيما لو قرروا الرجوع والتوبة، وحين اختاروا العزوف عن تلك الرحمة والمغفرة، فلا مناص من ظهور نتائج تلك الأعمال اليهم، وانكشافها وتجليها لهم؛ ليحق عليهم القول ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )