{ قبس من آية }

– الخــداع الجــزء الثــاني –

{ قبس من آية } - الخداع الجزء الثاني- 1
قال تعالى ( إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ )
وأما الوجه الآخر القبيح : فقبحه نابع عن جوهرهِ ومقاصده، وما ينطوي عليه من ” غش، وتلاعب، واستغلال للآخر … الخ ” وهذا كله من الافعال القبيحة، والاساليب المذمومة، وأفعال ” المنافقين ” كانت من هذا النوع.
و أما الخداع المنسوب الى الله تعالى ” وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ ” فهو وإن تشابه في الإسم والآلية ظاهراً، إلاّ ان جوهرهُ مختلفٌ تماماً، و يشتمل على جانب عظيم من التدبير والرعاية الالهية، والإمهال واعطاء الفرصة للرجوع والتوبة والاستغفار .
والغاية من إستخدام ذات المصطلح هو من قبيل المُباسَطة مع العبد، و التنزّل في الخطاب الى المستوى الذي يعي و يفهم، وإيصال الفكرة بالطريقة التي يألفها ويفهمها ويتعامل بها، وهو اسلوب عام تجده ظاهراً في الخطاب القرآني بكثرة ( وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
وهو في الحقيقة ” خداع ” ظاهره رحمة، وباطنهُ عدل وحكمة، ظاهرهُ حِلمٌ وستر، وباطنه مُكاشفة وتَجلٍ لحقيقة الاعمال، ولو قابلنا خداع المنافقين، بكيفية الخداع الواردة في الآية ” وهو خادعهم ” سيتضح الاتي :
ان الذي أظهره المنافقون من افعال مخادعة.
اظهر الله تعالى في قِبالها حلمهُ لهم، وسترهُ عليهم، رحمةً بهم، لعلهم يتوبوا أو يرجِعوا الى الله تعالى؛ فتمحى دون افتضاح أمرهم.

وان الذي أخفوه ظناً منهم انه انتصار وتحقيق لمآربهم؛ اخفى الله تعالى في قِباله عدله وحكمته بعودة نتائج تلك الافعال عليهم؛ ما لم يتوبوا ويستغفروا ( ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍۢ لِّلْعَبِيدِ )

حينئذٍ يعلم المنافقون انهم ما خدعوا إلا أنفسهم، وليس هنالك من خادع لهم إلاّ هم، وكان غاية الامر الالهي، أو المعبّر عنه ” وهو خادعهم ” ( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) فاظهرتم وأظهرنا، وأخفيتم وأخفينا ( فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ) ( فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

فيتضح في هذا القَبسِ جانبٌ من قوله تعالى ( وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ ) بعيداً عما ذهب إليه الغافلون، أو تصوره الواهمون، من وجود تلك الصفة و مثيلاتها على الحقيقة، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

و أن الخداع هنا ليس في جانبه الايجابي وما يشتمل عليه من اساليب للتربية والرعاية و التدبير فقط، بل هو تجلٍ للرحمة بالعباد، والمحبة لهم والعدل بينهم، وهو اسلوب من اساليب الدعوة للتغيير ولكن بطريقة مختلفة، فهو سبحانه قد ستر وأخفى عنهم ما يؤذيهم فيما لو قرروا الرجوع والتوبة، وحين اختاروا العزوف عن تلك الرحمة والمغفرة، فلا مناص من ظهور نتائج تلك الأعمال اليهم، وانكشافها وتجليها لهم؛ ليحق عليهم القول ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )

باسم الخفاجي

اترك تعليقاً