اخطر الصناعات
– صناعة الرأي العام الجزء الأول –
من الصناعات التي كانت وما زالت سبباً ووسيلة لإنجاحِ كثيراً من الأنظمة، والمشاريع وفي شتى الاهداف والتوجهات، صناعة ضاربة في القِدم إمتازت بسرعة الجذب، وقوة التأثير، والنتائج المضمونة، بما لها من تأثير يشبه مزمار الراعي وتأثيره في القطيع، حين يَهَبه صوتاً يُشعِره بالاطمئنان، ويحثه على الالتفاف حوله، والمسير خلفه، دون وعي وادراك بالمصير أإلى الحضيرة ام الى الجزّار .!
وفي هذا المقال سنتحدث عن الرأي العام في جانبه السلبي المقصود فقط، الذي يتم الاعداد والتخطيط له في اقبية الشر ودهاليز السياسة المظلمة، دون التطرق الى الرأي العام الايجابي، والعفوي .
فالرأي العام في جانبه السلبي عبارة عن كذبة أُشيعت لتبلغ حد التواتر، وهذا كافٍ لتمريرها وتصديقها، ثم الاعتقاد بها كجزء من التصورات العامة للمنظومة العقَدية لأي مجتمع أو كتلة بشرية، تلك التصورات تُمثّل العقل المعنوي المسيطر على جميع افراد المجموعة، وعِمادُها الذي يضمن لها البقاء والاستمرار بإعداد وانتاج مزيد من النُسخ المتشابهة، ويرفض كل تغيير أوتحديث لبنود ذلك العقل المهيمن .
وعليه يمكن تعريف الرأي العام : انه حُكمٌ أو فِكرةٌ تكسِب مصداقيتها وتأثيرها من خلال إيمان وموافقة الأكثرية بغّضِ النظر عن مضمون ذلك الحكم أو تلك الفكرة، وذلك من خلال تكوين ” العقل الجمعي ” المُنصاع لتلك الفكرة .
“والعقل الجمعي “كما يراه ويُعرفه بعض الباحثين والمختصين أمثال ” غوستاف لوبون “احد مؤسسي علم النفس الاجتماعي أنه : ” الإستجابة غير العقلانية لما تردده الجماعة ” وفي تعريف آخر انه : ” ظاهرة نفسية يَفتَرض فيها الانسان أن تصرفات الجماعة في حالةٍ مُعينةٍ تعكس سلوكاً صحيحاً ” أو ” هو الطريقة التي نشخِّص فيها ما هو صحيح عن طريق ما يظنُّه الآخرون صحيحاً ” .
ووفقاً لتلك التعريفات نستنتج إن “العقل الجمعي” هو من اكبر القيود وأكثرها تأثيراً وتعقيداً في الانسان إذ يمثل إستجابة قهرية، وإيمان بكافة البنود المعلنة وغير المعلنة، وولاء مطلق يبديه الافراد تحت ضغط الانتماء للكيان او المجموعة التي ينتمون اليها، في جميع ما تتبناه من رؤى وافكار وتقاليد وعادات وطقوس…الخ .
ولاء يسلب الفرد قدرته على التفكير والابداع المستقل خارج اسوار المجموعة، ويحجر على عقله الفعال، ليمنحه عقل مكتسب ملوث بافكار وعادات وقيم جاهزة لاتمثّل أو تعبّر او تنتمي لهذا الفرد حقيقة.
وبأختلاف المجتمعات تختلف وتتنوع مصادر التغذية للعقل الجمعي السلبي، من الأُسرة الى المدرسة الى المجتمع، وتزداد قوة ذلك التأثير والتفاعل كلما ازدادت درجة التشابه بين افراد هذا الكيان، وهذا ما يصعّب عملية الانشقاق والاستقلال عن تلك الجماعة، تارةً بالمواجهة مع الذات في سبيل التحرر من تلك المكتسبات ومحو آثارها بالتجديد والتبديل والتغيير على المستوى الفردي، وأخرى بالمواجهة مع الجماعة أو الكيان وعقبات وعقوبات الانشقاق عن النسق العام لتلك المجموعة، وكلاهما ليس بالامر اليسير لكنه ممكن بطبيعة الحال، وما كل اولئك الاخيار و الاحرار والثوار في أرجاء المعمورة إلّا افراداً أعمَلوا عقولهم وإستقلوا نظرياً وعملياً عن ذلك النسق القاتل .
… يتبع
باسم الخفاجي