ورد عن الرسول الاكرم عليه افضل الصلاة والسلام أنه قال: ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً….).
والطيب في اللغة هو الطاهر والنقي من كل شائبة.
لا خلاف ان الحق سبحانه هو منتهى الطهر والنقاء ومفيضه على العباد، وكل ما يصدر منه جل وعلا من أفعال أو اقوال او شأنية هي تمثل تلك المرتبة التنزلية من الطهر والنقاء. فكل ما يأتينا من الحق تعالى يجسد كل معنى الطهارة ولو كان بلاءاً أو عقاباً أو غير ذلك.
وبما ان حضرة الحق هي حضرة طهر ونقاء فلا ينبغي ان يرد اليها الا ما كان من سنخها، قال جل وعلا: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) {فاطر10} أي ان الكلمة اذا حملت في جوهرها الطيبة فإن لها مأذونية الصعود الى حضرته جل جلاله وذلك لأنها من جنس تلك الحضرة، فلا حُجب ولا موانع من صعود هذه الكلمة الى عالم النقاء.
فالفعل أو القول اذا خلا من الطهارة لن يقبله الحق تعالى في حضرته، وهذا لا يعني ان كل أعمال العباد غير الطاهرة لا تُقبل، وانما المقصود بالقبول هنا هو القبول الخاص وهو أعلى مراتب القبول أي القبول الالهي الجدي وليس القبول على سبيل مجاراة مرتبة العامل؛ لذلك قال: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) {فاطر10} أي يرفعه الى مرتبة استحقاق العبد من الجزاء لكنه لا يصل الى تلك الحضرة لأنه لا يجانسها.
المقصود من الطهارة هنا ،هي خلو الاعمال من الملوثات، من قبيل الاشراك والرياء والطمع وتعدد النوايا وما شاكلها، فإنّ الفعل الصادر من جهة الحق خالٍ من كل أنواع اللوث والعوالق المنفعية، فحينما يقدم لك الحق رزقاً ما فإنه لا يبتغي من وراءه أي منفعة، ولا أنه يقدمه لك لأجل غاية له، ولا انه قدمه لك بتأثير خارجي او سببٍ دفعه لذلك وانما عمل بمحركية ذاته وخالص صفاته، وإن ترتبت عليه مصالح فإن هذا الترتيب في عالم أدنى من عالم صدور الفعل، أعني بها مرتبة انظمة الملكوت الأعلى أو قوانين الملكوت الأدنى، أما حين صدوره من الحق فهو مجرد تماماً.
وعليه ينبغي على العبد حينما يرفع أي عمل لحضرة الحق يجب ان يكون ذلك العمل له الاهلية ليُرفع الى ذاك المقام الاعلى. ومن شروط تأهل العمل لبلوغ ذلك المقام ان يكون من جنس الافعال التي تفاض من ذلك المقام، واعني ان يكون عملاً طاهراً نقياً مجرداً من كل العوالق المادية والمعنوية.
ولا يتحقق ذلك العمل الا بتحقق ركائزه والتي هي:
الركيزة الاولى: أن يخلو العمل من الاشراك في النية، بمعنى انه يريد به وجه الحق سبحانه دون أي ضميمة أخرى.
الركيزة الثانية: أن يخلو العمل من الطمع؛ وذلك بأن لا يكون دافع العمل او أحد دوافعه هو العطاء والجزاء الالهي، فإن كانت غاية العبد من عمله هو الجزاء الالهي، فهو لا يريد من عمله وجه الله تعالى، وانما يريد رزقه وليس وجهه. وكذلك فإن من يعمل للجزاء فكأنه يقول بعدم استحقاق الله تعالى للعمل أو التقدمة، والا فمن يرى أن الله يستحق العمل فلن ينظر الى الجزاء.
الركيزة الثالثة: أن يصدر العمل بمحبة وسلاسة دون تكلّف ومكابدة ودون تململ وتضجّر وانما يعمل برحابة صدر، لأنه هو من اراد هذا العمل لله ولم يجبره أحد على ذلك.
الركيزة الرابعة: أن لا يفرح بما عمل، ولا يرى أنه عمل شيئاً ذا قيمة، أو يرى انه قدم لله شيئاً، فالواقع ان الفاعل هو الله سبحانه، فهو من هداك لهذا العمل وهو من يسيّر أسبابه، وهو من يتفضل عليك بقبوله، فاذا كان العمل بهذه المواصفات فسوف يرقى الى القبول الالهي الخاص، وإلا فإنه مردود في تلك الحضرة مهما كان حجمه ولو كان هداية كل الخلق لطريق الحق وانما يُجازى صاحبه وفق النظام العام.
والحمد لله وحده
منتظر الخفاجي
6\4\2021
الحمد لله