قــاعـــدة التغييــــر

قاعدة التغيير 1

    المدرك:قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ } [الرعد : ١١].

     المفهوم : إن وراء كل الأسباب هو مسبب الأسباب جل جلاله فكل ما تحرك وسكن هو بإذنه تعالى، تارة بمباركته وأخرى بدونها، فالبائن من مدرك القاعدة إن المغير هو الله سبحانه وتعالى، أي إن كل ما يحصل للإنسان من تغير أو تحويل إنما هو بأمر الله تعالى، نعم المسبب هو الإنسان بأفعاله، والتغيير الإلهي الذي يحصل للإنسان يكون السبب فيه هو نفس الإنسان بالصادر منه سواء فعل أو قول أو معتقد، وبما إن الله تعالى غني ولا يصل إليه النفع فلا فرق عنده بين حالة وأخرى إنما يشكل الفرق لدى الإنسان كما قال جل وعلا: { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ} [آل عمران : ١٤٥] فيعطي من كلا الثوابين ولا يفرق عنده هذا العطاء عن ذاك فكلٌ من عند الله سواء ثواب الدنيا أو ثواب الآخرة.

     والمتحكم أو قل المتسبب بزوال هذا العطاء أو تثبيته أو تغيره هو الإنسان سواء شاءه عطاءاً دنيوياً أم أخروياً فليس من ضُرٍ ولا نفعٍ يصل إلى الله تعالى لهذا فتح الحق تعالى باب التغيير وجعله ضمن النظام العام.

    التطبيق: بما إننا عرفنا من الآية أن الإنسان قابل للتغيير بما أعطته الآية من وسع. وهذا التغيير تارة يكون بأفعاله وتارة بصفاته وأخرى بذاته وما اتصل بها، وان الإرادة الإلهية تتأثر بالإرادة الإنسانية، فبه يكون الإنسان قادراً على تغيير حظوظه الدنيوية والأخروية المعنوية والمادية، والحق تعالى اوجب على نظامه التساوق بالتغيير مع التغيير الإنساني وكله يصب في صالح النظام العام.

      والتغيير لما في نفس الإنسان المؤدي إلى التغيير العام يكون من جهتين:

     الجهة الأولى:هو التغيير النفسي نحو الصعود أو التغيير النفسي المؤدي إلى الصعود في درجات الإيمان والقرب.

    بما إن الإنسان عبارة عن المستوى الإيماني الذي وصل إليه، فيكون تغيير ما في النفوس ناتج من تغيير المستوى الإيماني والكمالي لدى الإنسان.

      واعلم إن تغيير المستوى بالانتقال إلى ما هو أعلى منه ينتج تغيراً في كل جوانب الإنسان؛ لانّ الصعود أو النزول هما كليان، فعندما يسبب الإنسان سببا لتجاوز مستواه الحاضر تتغير كل حظوظه سواء الدنيوية أو الأخروية فيتغير مستواه الفكري ومستواه الإيماني ومستواه النفسي وكذلك المستوى الاجتماعي والمعيشي وغيره من الجوانب الإنسانية. وهذا المستوى الجديد هو نتيجة الخروج وعدم التوقف أو عدم القناعة بالمستوى السابق، فيكون تغيير الإنسان لبعض صفاته النفسية داعية لنزول التغيير الإلهي بكامل جوانبه وبالتالي لكل حظوظه، وعلى أساس حجم التغيير النفسي وعمقه يتغير الرزق الإلهي المادي والمعنوي بجهتيه أي جهتي السلب والعطاء.

      وليس كل فعل يأتي به الإنسان يُعد تغيراً أو مقدمة للتغيير بل الأفعال التي تنبع من آخر ما وصل إليه والتي تكون داعية للتغيير الداخلي، لأن بعض الأفعال التي يقوم بها الإنسان هي ما دون مستواه الحقيقي أو أنها لا تمثل أخر ما وصل إليه.

      ومن مسببات التغيير نحو الصعود أمران:

     الأول:هي الأفعال وكما قلنا التي تكون ذات أثر داخلي أي تؤثر في نفس الإنسان وهي التي تمثل مستواه فتكون مغيرة تغييراً غير مباشر في النفس.

    الثاني:هي الصفات. والصفات هي جوهر النفس فالتغيير بها هو تغيير مباشر للنفس وداعية حقيقية للتغيير الإلهي. فعندما يغير الفرد صفة رذيلة في نفسه ويبدلها بصفة خيرة يكون قد خرج عن ذلك المستوى ونظامه.

    الجهة الثانية: هو التغيير النفسي عند النزول في سلم الإيمان، فان الإنسان إذا غير شيء من أفعاله أو صفاته من العلو إلى الدنو يكون هذا التغيير داعية أو هو طلب بلسان الفعل للتغيير الشامل فتستجيب الإرادة الإلهية لهذا الطلب فيكون التغيير، وواقع التغيير هو تغيير في النظام فينزل من النظام السابق والذي كان مساوقاً ومساوياً لأفعاله السابقة إلى نظام أدنى يساوق ويساوي أفعاله اللاحقة قال جل ذكره { ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأنفال : ٥٣] فالظاهر من الآية المقدسة إنَّ تغيير الإنسان بعض صفاته الإيمانية أو معتقداته أو أفعاله، يعتبر طلباً للتغيير العام بل هو دعاء لطلب نزول المستوى الإيماني و(إن الله سميع عليم) أي سميع لذلك الدعاء فيكون تغيراً للنعمة أو سبباً لنزولها سواء النعمة المتمثلة بالرزق المادي أو ما هو أعلى من ذلك.

   ومن اللطيف المخيف أن الإنسان يرى ذلك، يرى تبدل نعمته وتعسر حاله ولكنه لا ينسبها إلى نفسه وما احدث فيها من التغيير السلبي إنما ينسبها إلى أسباب واهية أو ينسبها على أعلى تقدير إلى الله تعالى لكنه يغفل من أن الله تعالى استجاب للتغيير الذي هو أحدثه في نفسه، كل ما في الأمر إن النعم التي كنت تتنعم بها هي عطاء من عند الله بسبب ما أحدثته من تغيير إيماني تصاعدي، ثم انك بدلت هذا التغيير بالذي هو أدنى فسُلبت النعمة { وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [البقرة : ٢١١].

      أي نعمة كانت إذا بدلها الإنسان بكفرها أو عدم نسبتها إلى المنعم الحقيقي أو استخدمها فيما يبعد عن الله تعالى فإن الله تعالى سوف يعقب هذا التبديل بعاقبة شديدة، عسيرة واقلها زوال تلك النعمة.

     ويتضح لنا مما تقدم إن هذه القاعدة هي ضمن أسس النظام العام فلا تبدل أو تغير ما دام النظام قائماً.

      وعليه يجب على الإنسان الذي يريد أن يغير مستواه الإيماني ويزيد في حظوظه لكي يستمر في التصاعد أن يعمد إلى التغيير النفسي وذلك بالتجرد من بعض صفاتها.

This Post Has 4 Comments

  1. غير معروف

    وفقكم الله تعالى لكل خير

  2. غير معروف

    دام الله تعالى وجودك مولاي الحبيب

اترك تعليقاً