قــاعـــدة التوكـــل

قاعدة التوكل 1

المدرك: قوله تعالى: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ } [الطلاق : ٣].

    المفهوم: وضع الله سبحانه وتعالى أسس وقواعد كثيرة من شأنها أن تساعد الإنسان وتعينه في إدراك غايته الكلية وبلوغ مطالبه سواء كانت أخروية أو دنيوية، وتخفف عنه ما أفتقر الى فائدة حمله، وتكشف له الوجوه الصحيحة للتعامل مع الحق تعالى، ومن ذلك قاعدة التوكل، وهي قاعدة غير قابلة للنقض أو الخرق أو التغيير كما هو طبع القواعد الإيمانية، حيث التزم الله تعالى بها وذلك بما اوجب تعالى على صفاته من تحقيق ما يطمح له من أتى بالمقدمات التي فرضها الله تعالى وأظهرها إلى عالم التطبيق.

     والقاعدة مبنية على طرفين، وهما المقدمة والمتمثلة بفعل التوكل، والذي معناه عندنا: هو إرادة أمر معين والاعتماد على الله تعالى في تحقيقه، فيختلف عن التسليم بوجود الإرادة وعدمها في التسليم.

      والطرف الآخر هي النتيجة والمتمثلة بما تحققه الإرادة الإلهية للمتوكل.

      وجوهر تطبيق هذه القاعدة هو اليقين والثقة بالله تعالى وليس هو يقين مطلق بل هو خاص بالمطلب التوَكُلي قال الرسول الأعظم ) صلى الله عليه واله وسلم ): (( الثقة بالله ثمن لكل غالٍ، وسلّم لكل عالٍ )) [ميزان الحكمة / باب التوكل] فمن توكل على الله تعالى في امرٍ ما فإن الله تعالى كافيه ومحقق مطلبه.

      التطبيق: قلنا تطبيق هذه القاعدة يعتمد على اليقين بأنه سبحانه سيحقق مطلبي، وهذا اليقين متولد من التقوى وهي المقدمة الأولى، إذ أن نتائج التقوى الدنيوية الآنية هي زيادة اليقين بالله تعالى.

      وتتدرج مراتب التوكل على حسب المستوى الإيماني للفرد وعليه تكون كفاية الله تعالى للفرد. وليس كل توكل بأي مستوى كان هو كافٍ لكل شيء! قطعاً لا، وإنما لكل أمر درجته من التوكل حيث درجة اليقين تصاعدية فربما لدى الإنسان درجة يقين بالله لإزالة ضرر صغير لكن ليس له اليقين لدفع ما هو أكبر من ذلك فاليقين الأول لا ينجده ولا يسعفه في الثاني.

       ومن طبيعة الإنسان هي الاعتماد على حوله وقوته في تحقيق مآربه أو بصيغة أخرى إن الإنسان يتوكل على نفسه بالاستقلالية لقضاء مآربه ولذلك تبوء أكثر محاولاته بل كل محاولاته إما بالفشل أو النقصان إلا ما كان لله تعالى يدٌ فيها، والفشل ليس منحصراً في الأثر المادي فلربما يرى النجاح على الصعيد المادي لكنه يفشل في جوانب أخرى.

      وللارتقاء إلى هذه الدرجة الإيمانية يحتاج الإنسان إلى فتح باب الاعتماد على الحق تعالى في بعض شؤونه ولا أعني الاعتماد الاحتمالي أي أنني أعتمد على الله تعالى في هذا الأمر فيحتمل أن يحققه ويحتمل ألا يحققه! فان هذا لا يسمى اعتماداً إنما المطلوب أن يكون فيه ثقة بالله تعالى أو حسن ظن من جهة تحقيق ما أريد، بل حتى إن كان اقل من ذلك إنما فيه كسر لطوق الاستقلالية بملاحظة الحق تعالى أثناء الإرادة، والأول يؤدي إلى الثاني حسب النظام التصاعدي.

     وللتوكل ثلاث مستويات، وما يهمنا منها هو المستوى الأول، وهو التوكل المادي؛ وبه يتوكل الإنسان على الله تعالى في أموره المادية كحصول الرزق وشفاء المريض ودفع المكروه وغيرها من الأمور. فان توكل الإنسان على الله تعالى حق توكله فانه سبحانه سيكفيه احتياجه دون تعب أو مشقة وذلك؛ لأنه حقق المقدمة وهي الاتكال على الله في ذلك عندها تأتي النتيجة لا محالة، قال تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران : ١٧٣] فماذا كانت النتيجة؟ { فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } [آل عمران : ١٧٤] فإنهم قالوا حسبنا الله ولم يقولوا حسبنا قوتنا وأسلحتنا، { وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ } لأنهم توكلوا عليه. لكن قد يشكل البعض ويقول أليس الرزق مشروط بالسعي فكيف يرزق الله من لا يسعَ؟. قلنا جوابه من وجوه:

    الوجه الأول: إن نظرية الرزق المشروط بالسعي لا نستطيع أن نفرضها على الله تعالى إنما يرزق من يشاء بغير حساب سواء بسعي أو بدون سعي وكثيراً ما رأينا ذلك.

    الوجه الثاني: لو سلمنا وقلنا بنظرية السعي. قلنا إن السعي له شقان.

    الأول: هو السعي المادي المعروف وهو أن يحصل الإنسان على رزقه نتيجة العمل المادي والجهد العضلي.

     والثاني: هو السعي المعنوي لتحقيق الغرض المادي، ومن المعلوم إن الثابت في كلا الشقين إن الرازق هو الله تعالى إنما أوجد الحق بسعة فضله طريقين لكسب الرزق، الأول بالسعي المادي للحصول على الرزق والثاني بالسعي المعنوي وهو التوكل عليه للحصول على الرزق، فيكون الرزق في الأول رزق غير مباشر لاعتماده نظام الأسباب، وفي الثاني رزق مباشر لاعتماده على مسبب الأسباب جل جلاله.

     لكن الفرق بين السعيين إن السعي المادي يقرب صاحبه إلى الدنيا ونظامها على عكس السعي المعنوي فإنه يقرب صاحبه إلى الله تعالى فيحصل بذلك على رزقه المادي ورزق معنوي وهو الرقي في مدارج الإيمان.

      ويريد الحق تعالى أن يبين لنا من فتح باب التوكل إن ما لا نستطيع تحقيقه هو يستطيع تحقيقه لنا بشرط أن نطرح ما نريد في ساحة كرمه، وما لا نستطيعه ليس لقصور في استعدادنا حاشا لله وإنما بظلمنا لأنفسنا.

      ومما جعل الحق للمتوكل هو انه سبحانه لا يخذل من توكل عليه يقول جل جلاله: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال : ٤٩] عزيز لا يذل من توكل عليه وحكيم يدبر أمره بحكمة؛ وكذلك فالمتوكل ارتقى إلى شرف محبة الله له؛ إذ يقول عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [آل عمران : ١٥٩] فيكون محبوباً من قبله تعالى.

     وكذلك مما خص الله تعالى به المتوكلين هو عصمتهم من تأثير الشيطان فليس للشيطان سلطان عليهم وذلك بحسب ما بين الحق تعالى إذ يقول: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [النحل : ٩٩] أي يتوكلون على الحق تعالى في دفع الشيطان فيرفع الله سبحانه عنهم تأثير الشيطان ومعه فلا حاجة لهم للإستعاذة منه.

This Post Has One Comment

  1. غير معروف

    💙

اترك تعليقاً