كلمة سماحة الشيخ منتظر الخفاجي بمناسبة تاسيس الجيش العراقي

كلمة سماحة الشيخ منتظر الخفاجي بمناسبة تاسيس الجيش العراقي 1

   قد تكون مهمة الجيش هي الدفاع عن حدود دولته وتحقق الإنتصارات في المعارك، لكن هناك مهام أخرى للجيش لا تقل أهمية عن مهمة الدفاع أو الهجوم، فقيمة الجيش لا تقتصر على قوته ومستوى تدريباته ونوع معداته القتالية، بل ربما تكون العقيدة التي يحملها لها الاثر الاكبر في الانتصار والانكسار، فقد شهد التاريخ الكثير من الجيوش الكبيرة هُزمت على أيدي جيوش صغيرة بسبب ضعف عقيدتها أو عدم امتلاكها لعقيدة صالحة للتحريك نحو الغايات، فكلما تعمقت عقيدة الجيش كلما كان أكثر إندفاع وأشد صموداً، وإن المقاتل الذي يتحرك بدافع عقيدته هو أقوى من مئة جندي يتحرك بدافع الراتب الشهري.

    حينما يرى المقاتل أهمية عمله وأبعاد هذا العمل وما يتوقف عليه من مصالح لبلده، سوف يزداد شعوره بالمسؤولية تجاه بلده، حينما يتيقن انه هو الحصن الاول والاخير لأبناء بلده، فسوف تتعمق عقيدته ويبصر أهمية موقعه وعمله والذي ربما لا يضاهيه عمل آخر.

   ومن المهام التي تقع على عاتق الجيش هي المحافظة على سمعة الجيش وفرض احترامه على كافة شرائح وطبقات المجتمع؛ وذلك من خلال التصرفات التي تتناسب مع شرف المقاتل ومكانته الاجتماعية، فالذي هو على استعداد ان يضحي بحياته من اجل غيره لهو في أعلى مراتب الفضيلة، واشرف درجات الصفات؛ لذلك على من ينتمي الى هذه الشريحة – الجيش- ان لا يشوه سمعتها، ويُسقط قيمتها واحترامها، وأهمية افعالها، ببعض التصرفات غير اللائقة بها. وكما يجب على المقاتل ان ينتصر في الحرب العسكرية كذلك عليه ان ينتصر في الحرب الأخلاقية ويكون في أعلى درجات الأخلاق حتى يتميز عن بقية فئات المجتمع بميزة أخلاقه وليس غيرها.

    وهذا الأمر يحتاج الى عمل مكثف ليس فقط من الجنود أنفسهم إنما من القيادات العليا، والتي يجب ان تسعى لرفع مستوى تصنيف الجيش العراقي عالمياً، واظهار الجوانب التي يتميز بها الجيش العراقي وتفتقر لها الجيوش الأخرى ومنها الجانب الاخلاقي، والذي يظهر في تعاملات أفراد الجيش من الجنود إلى أعلى المراتب.

    ثم من المهم تعميق وتوسيع الجانب العقائدي لدى أفراد الجيش من خلال التجديد في هذا الجانب وعدم البقاء على مواد عقائدية محدودة ثم تكرارها، بل كلما فهم المقاتل عقيدة معينة إنتقلنا معه إلى عقيدة أخرى أكبر من الاولى، حتى تكون عقائده هي التي تحركه وليس الطمع بالرواتب والحوافز وغيرها. حينها يكون لدينا جيش لا يقهر حتى وان كانت امكانياته المادية بسيطة، قال تعالى: ( فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) فجعل الله تعالى المقياس في الغلبة والإنتصار هي فضائل الصفات، والتي منها الصبر والتحمل وحسن الظن بالقيادة، والطاعة الكاملة للأعلى وغيرها من الأخلاق الخاصة بالجيش.

   حقيقة نشعر بالحزن والأسف حينما نشاهد تصنيف جيوش العالم ولا نجد جيشنا من ضمن هذه التصنيفات أو في أدنى مراتبها، وهذا حقاً مؤسف في وقت كان هذا الجيش في طليعة جيوش العالم لما له من القوة والإنضباط والعقيدة العسكرية، ودرجة عالية من الذكاء العسكري والشجاعة، مع العاطفة، والتي يصعب أن تجتمع في مقاتل.

    لذلك نتمنى ان يعود جيشنا كما كان عبر تاريخه جيشاً عظيماً بقوته وعقيدته وأخلاقه، يحسب له العدو ألف حساب قبل أن يفكر في خوض معركة معه.

 

الشيخ منتظر الخفاجي

اترك تعليقاً