محاورات

ملاحظة: أستكشف السؤال بالنقر على الأيقونة.
السائل: السلام عليكم شيخنا الجليل.
بعد اطلاعي على كتاباتك القيمة والتي هي كلمات تدخل إلى القلب مباشرة
اسمح لي ان اسأل سؤال: من هو الله؟.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، اشكر الله تعالى لكم على الثناء الذي لا استحقه.
وبالنسبة لسؤالكم ، إن معرفة الله سبحانه أو نسبته من المحال أن تكون دُفعية إنما هي تدريجية، ومن خلال مصاحبته أعني المسير معه، لكن هذا لا يعني الجهل الكلي به ممن لم يصاحبه ،إنما هنالك أيادي لله، وحضور في مواطن عديدة، لكن غفلة العباد واحتجابه سبحانه بالنظام الطبيعي منعا الناس عن الوقوف على رؤية أياديه، وبالتالي معرفته عن ذلك الطريق، فهو المحرك في باطن الإنسان الذي يمنع الإنسان من الاستقرار على أمر واحد، وإن أسماه الناس بأسماء أخرى، وهو الذي يدفع عنك ما ينبغي أن يقع عليك بحكم العقل، وهو الذي يجذبك إليه من خلال البلاء والمصاعب، وهو ما تجده في باطنك ويدفعك إلى طلب التكامل وفعل الأفضل، فتراه يتجلى بفكرة ونسميه العقل وتراه يتجلى بالرحمة ونسميه العاطفة، وتراه ينهاك عما يضرك ونسميه الضمير، وهكذا، يقول سماحة السيد الشهيد الصدر: (إن الأنبياء يرون اليد التي قذفت لهم الفكرة).
وهو منبع صفاتنا الحسنى، وتبقى معرفته منوطة به سبحانه ينزلها على من يشاء. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى
السائل: جناب الشيخ، لماذا قارن الله تعالى ماهيته وجعل الند موجود في داخل الإنسان وجعل النفس قوية بحيث ننسى التجلي وننقاد إلى النفس الأمارة؟
الشيخ: أولاً: إن النفس مرتبة من مراتب التنزل الصفاتي – لو صح التعبير-.
ثانياً: لولا النفس لما تقدم الإنسان خطوة للأمام، لكن الإنسان فضَّل أدنى مراتب النفس على أعلاها، والنفس ليست أقوى من الجانب الإلهي المودع في الإنسان.
السائل: جناب الشيخ الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …
لدي أمر شخصي أرغب في طرحه عليكم والاستفادة من رأيكم فيه، ومفاده أني ومنذ فترة زمنية طويلة كنت ولازلت ارغب وأتمنى أن اذهب إلى النجف الاشرف، واستقر هناك أنا وعائلتي فإن الذهاب إلى أمير المؤمنين ومجاورته حياً رغبة وحباً، خير من الذهاب اليه ميتاً وقهراً، وأنا اشعر أن الكثير من أبواب الكمال مغلقة وان مجاورة أمير المؤمنين تفتح الكثير مما أُغلِق على الآخرين.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
الانتقال إلى النجف خير على كل حال، ولكن توقع التمحيص الإلهي حين الانتقال وتهيئ له.
السائل: شيخنا الجليل الذي اعرفه أن الفرد ينبغي ان يتوقع التمحيص والاختبار في كل آن ولحظة، ولكن في قضية الانتقال للنجف الأشرف ما طبيعة التمحيص المتوقع وماذا يراد منه وكيف يمكن التهيؤ له؟ أرجوك أرشدني ووضح لي أكثر.
الشيخ: ليس بالأمر الكبير، إنما شيء من الضغط النفسي، ومع الالتفات على أنه من الحق تعالى، فسوف يغدوا لا شيء.
السائل: مولاي الجليل وان كنت قد أثقلت عليك في أسئلتي لكن لا زلت أرجو سعة فضلك ورحابة صدرك معي.
إن ما ذكرته لي من الضيق النفسي عند الانتقال للنجف الأشرف فأنه متوقع على كل حال وأتوقع أن اشعر بشيء من الغربة والعزلة الاجتماعية لو صح التعبير ولكني أرجو من الله أن يجعل أُنسي به وبأهل طاعته وبالوجود القدسي لأمير المؤمنين.
الشيخ: زادكم الله أدباً ورفعة، إذن أحسن بربك الظن، ولسوف ترضى.
السائل: السلام عليكم ورحمة الله.. شيخنا الجليل. لازلنا في شهر الطاعة والمغفرة فأرجو منك أن تنصحني ببعض الأمور وان تُسمعَني الموعظة. فأنا تواق لسماع ذلك منك ولك مني كل الشكر والامتنان.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله تعالى…إذا قصرت أو عصيت ربك، فلا تهرب منه حتى وإن كان سبب الهرب حياءاً منه، لأن الهرب منه بُعد عنه، بل قد يكون الهرب أشدُ إبعاداً من الذنب، إنما التجئ إليه، فإنك حين التقصير أشد احتياجاً اليه منك قبل التقصير. وأعلم -أيدك الله- أن أخلاقه سبحانه قبل الذنب هي أخلاقه بعد الذنب.
السائل: قد أثقل عليك ولكني أرجو سعة صدرك لأخيك الصغير.. نفعتني بكلامك أعزك الله ولي عليه تعليقين:
الأول: قولك (إنك حين التقصير أشد احتياجاً إليه منك قبل التقصير) أليس المفروض أني قبل التقصير احتاجه لفتح أبواب التكامل والرقي وبعد التقصير احتاجه للمغفرة وطلب العود إلى ساحته؟ ألا يكون احتياجي له في المعنى الأول أكثر وأشد؟.
الثاني: قولك (إن أخلاقه سبحانه قبل الذنب هي أخلاقه بعد الذنب) إن الله قبل الذنب يعطي ولكن بعد الذنب قد يمنع فكيف يتساوى المنع والعطاء؟ وهل من أخلاقه المنع وسلب النِعم؟ أرجو منك التوضيح أعزك الله ونفعنا بك.
الشيخ: أولا: نعم ما تفضلت به صحيح لكن العود إلى ساحته أهم من المسير في ساحته، ولولا العود فليس من مسير. كذلك حين التقصير تحتاجه لأمرين الرجوع إلى ساحته والتوفيق بالمسير فيها.
ثانيا: لا يمنع بعد الذنب إنما يغير صورة العطاء، فاهتم بفهمها، جُزيت عني كل خير.
ثالثا: ليس من أخلاقه سلب النعم، لكن العبد إن طلب منه ذلك أجابه، وغالباً ما يكون طلب العبد فعلي وليس قولي، أي يفعل فعلاً يكون هذا الفعل هو طلب لزوال النعمة أيدكم الله بتأييده.
السائل: سلام عليكم شيخنا الأجّل هناك نقاش يدور حول الإنسان والبشر فبعض الإخوة يرى إن هناك فرق بين الإنسان والبشر ويستدل ببعض الآيات القرآنية مثل سورة (مريم) والبعض الآخر يقول بالترادف فنرجو إبداء رأيك في الموضوع ولك منا الشكر والتقدير.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله تعالى. حسب اطلاعي لم أجد أي فرق في المعنى بين الاسمين، وكذلك كلا الاسمين جاءا في الكتاب العزيز بموضع ذم وموضع مدح، لكن الاختلاف نظراً لأصل التسمية وهي أن الإنسان سُمي إنسان لأنه يُؤنَس به ويُؤنس له والبشر سمي بشراً لظهور بشرته على عكس بقية الحيوانات التي يكسو بشرتها ما يكسوها.
السائل: جُزيت خيرا شيخنا. في سورة (مريم) عندما يخاطبها تعالى يقول (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا[1]) الخ الآيات فالذي أريد أن أقوله إن الله أمرها أن تصوم وصومها أن لا تتكلم لكن قال لها فإما ترين من البشر احد قولي الخ وفي الرواية أنها قابلت زكريا (ع) وهناك رأي عند العرفاء حيث يقولون أن البشر هو أعلى درجة من الإنسان في سلم التكامل.
الشيخ: لا اعلم مصدر هذا الرأي لكن ورد في الكتاب العزيز بعض الآيات ما تحطّ من مرتبة البشر، نعم أغلب الآيات التي ذكر فيها لفظة البشر كانت في مجال الثناء والتعظيم ولكن قوله تعالى على لسان مريم: (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ)[2] وقوله عز وجل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ)[3] وكذلك قوله على لسان النبي: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ)[4] أي أنا مساوي لكم في البشرية، وقولهن تنزيهاً وتعظيماً ليوسف (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا)[5].
وهو العالِم بحقائق الأمور
[1] – سورة مريم/ الآية 26
[2] -سورة مريم/ الآية 20
[3] – سورة الروم/ الآية 20
[4] – سورة الكهف/ الآية 110
[5] – سورة يوسف/ الآية 31
السائل: شيخنا العزيز سلام عليكم. سؤالي هو ما الطريق لأخذ المعرفة؟ وشكراً لكم.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
ان الطريق الأنسب والأسلم لأخذ المعرفة من منبعها الحق هو طريق المشيخة، والذي يضع الإنسان على المراتب الأولى لاستسقاء العطاء المعنوي ثم يتولى الحق سبحانه ذلك الإنسان.
السائل: مولاي وكيف تكون معرفة الشيخ؟
الشيخ: بعد شحذ الهمة وتوحيد الإرادة بطلب الكمال، وتخليص النية لله تعالى، سيُهيئ الله تعالى لذلك الطالب من يأخذ بيده نحو غايته الطاهرة.
السائل: تحية لكم. أنا أشكرك يا سيدي. هنالك بديهية أو مُسلّمة مفادها أن الحضارة العربية وتاريخها هي أعظم ما عرفته البشرية! وما يمكن أن تعرفه في الحاضر والمستقبل وبناء عليه كانت النظرة الفوقية تجاه الآخرين تحجب الموضوعية العلمية في تقييم الأمور والنظر إليها، ولما كان الواقع المادي المُشاهَد يشير إلى تقدم وتفوق مادي وربما أخلاقي للأمم التي تعد مُشرِكة (؟) أو كافرة، حدث تناقض بيننا لمعتقدي الواقع المخالف له، مما يستدعي النقد والمراجعة، إلا أن ردة الفعل كانت معاكسة تماما وتحوّل إلى الشعور بالهزيمة أو النقص تجاه الآخرين، والعودة نحو الخلف وبحث عن الطرائق والأساليب والمناهج التي حققت أمجاد الماضي السحيق، وهنالك قول لدى العرب مفاده (لا يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها) . ومرة أخرى تم الهروب نحو الخلف والبحث في أدق تفاصيل معيشة السَلَف، وإعادة إحياءها وتطبيقها من جديد بشكل لا عقلاني وأسلوب ظاهري بحت، وغدا التمسك بطرائق المأكل والملبس والعلاقات التي كانت سائدة منذ ما يربو على أربعة عشر قرناً أمراً مطلوباً بل وحتى مفروضاً، ولما كان ذلك الأسلوب لا يتيح منافسة أو مسايرة الأمم الأخرى بل ويتسبب بمزيد من التخلف والتفاوت الحضاري تم اللجوء إلى تغطية العجز الحضاري المعاصر باستحضار الإنجاز القديم وصبغه بصفة الإعجاز الذي لا يمكن تجاوزه أو حتى الوصول إليه من قبل الآخرين، بما يلغي المنافسة ويبعد الشعور بالهزيمة أو النقص .
وأخذت هذه الفكرة منحى عبثياً وأصبح يتم اللجوء إلى النصوص المقدسة والنقول المتوارثة لإثبات أن ما وصلت إليه الحضارات الأخرى من علوم وتقدم واكتشافات إنما قد تم سبقها والوصول إليها من قِبلِنا. أي العرب، فكلمة واحدة في القرآن الكريم مثلاً وهي كلمة ـ وغير مُخلّقة ـ (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)[1] تكفي للدلالة على أن المسلمين سبقوا العالم إلى علم الاستنساخ !!!، كلمة تكفي لتجاوز عشرات السنين من العمل الدؤوب لآلاف العلماء الأمريكان والانكليز والفرنسيون، وتغطي أموالا هائلة بُذلت في البحث العلمي ، كلمة تتغلب على مئات المؤسسات العلمية الراسخة البنيان والمنتشرة في أرجاء المعمورة !؟؟؟، والمشكلة إنما تكمن حقيقة في علماء الشريعة، الذين عجزوا عن دفع الشعوب للحاق بركب التألق العلمي، فلجئوا إلى دفاترهم القديمة لتغطية التخلف والعجز، ولا تكمن المشكلة في حد ذاتها في النص المقدس ـ القران الكريم ـ المفتوح نحو فهم أكثر عقلانية وأكثر فاعلية. إلا أن الأمر يتطلب جرأة وثقة وإمكانيات علمية تراثية فائقة، لديها القدرة على فهم روح العصر إلى جانب القدرة على استيعاب النص وتفسيره بكفاءة تحفظ له مكانته وقدسيته ولا تحشره لتبرير الضعف أو العجز. لقد طغى الوهم وانعكس إحباطا وعجزاً عن الفعل من جهة، وتزمتاً وتشدداً وهجوماً على الآخرين من جهة أخرى.
الشيخ: ما ذكرته تشخيص دقيق للمشكلة الكبرى التي يعيشها المجتمع العربي، والتي هي السبب الأهم لتخلفه عن بقية المجتمعات. أخي الفاضل… إن الإسلام عندما ساد وتمكن من النفوس ليس لأنه دين سماوي، فقد كانت هنالك أديان سماوية أخرى، وإنما لأنه جاء بشيء جديد، ولو كان يرى المُشرّع الإسلامي أن الخير يكمن في الماضي لأعاد المجتمع إلى شريعة موسى أو نوح أو غيرهم، لكن هذا لا يعني ترك القديم بكليته، إنما يُتخذ قاعدة وينطلق منها، فمفكري العرب الأوائل كانوا مسلمين ولم يمنعهم إسلامهم عن أن يقدموا للبشرية ما ينفعها.
هذا، وأن الأحكام والقوانين التشريعية بطبعها مقيدة بقيد الزمان والمكان، فتختلف تبعاً لمستوى المجتمع من جهة الرقي والدنو، ومواد الأحكام لدينا قابلة أن تواكب كل مراحل المجتمع، لكن لمن فهمها وأحسن استخدامها وجرد عقله من فكرة (السابق خير من اللاحق). أما ما تفضلتم به من أنه كلما ظهرت نظرية أو اكتشاف علمي ادعى العرب أنهم أصحابها والسابقون إليها، فهذا هو تشبث العاجز واتكال الخامل، وإلا لماذا لم يعملوا بها قبل مكتشفيها إن كانوا هم السابقون؟! وطبعا لا يعني هذا أننا لا نستطيع أن نستخرج من الكتب السماوية قواعد علمية تخدم المجتمع، لكن خمول المجتمع العربي وطبعه الاتكالي جعل ذلك بمثابة المستحيل.
إن التخلف الذي يمر به المجتمع العربي، يقع نصيب منه على علماء التشريع، لكن ليس من الإنصاف أن نستثني الاطراف الأخرى، أعني القيادات السياسية والاجتماعية والطبقة المثقفة بل وحتى نفس المجتمع، ولا نغفل عن الظروف التي مر بها المجتمع العربي، من السياسات التجهيلية التي مورست عليه سواء من الداخل أو الخارج، فقد كان لها الدور الكبير في تحديد العقل العربي وجعله يتردد في دائرة محدودة المفردات.
أما ما ذكرتم من مسألة رجوع المجتمع العربي إلى الماضي، فالذي أفهمه، أنه لا يرجع إلى الماضي إلا من تيقن أن لا نصيب له في المستقبل، ومع شديد الأسف هذا هو حالنا، والذي يراه الناظر أن المجتمع العربي لن تقوم له قائمة إلا أن يتجرد عن الماضي، عندها سيجبر على الالتفات إلى الحاضر ثم النظر إلى المستقبل عن طريق الترابط، لكن لا اقصد كل الماضي وإنما الماضي المانع عن رؤية الحاضر.
السائل: سيد الخفاجي إننا مسرورون لمخاطبتكم لما تتمتعون به من فكر. ونود أن نطرح هنا بعض التساؤلات في مجال (الحرية في الإسلام)، ونرجو أن لا تُسيء فهمنا وتعتقد إننا ننتقد الإسلام …. لكن نريد أن نفهم الدوافع والأسباب لظاهرة الرقيق في الإسلام والسؤال المطروح هو:
1- الإسلام دين المساواة كما نعلم فلماذا كان المسلمون يتخذون من الجواري والعبيد في بيوتهم لخدمتهم، ولماذا كانوا يأسرون الأسرى ونساءهم بعد الحروب ويتخذون منهم جواري لتفريغ الفورات الجنسية؟ ولماذا أُحل نكاح الجواري والسبايا والذي كان بدوره سوف يشجع البشر على استعباد الآخرين؟
الإسلام لم يُقدم حلّ جِدي لظاهرة الرقيق والعبيد والغنائم الجنسية في حروبه المقدسة، وعندما ظهر الإسلام كان التمييز العرقي والطبقي والمظالم الاجتماعية، بمثابة منابع وروافد تغذي “نهر الرق” في كل يوم بالمزيد من الأرقاء.
2- لقد وجدنا الإسلام يُحرّم وبشكل فوري ومباشر الكثير من العادات التي كانت متأصلة في عمق المجتمع الجاهلي مثل الربا والميسر وحرمان المرأة من الميراث والتبني وبطلان زواج الرجل من زوجة متبنيه … بل لقد حسم وبشكل قاطع ونهائي مسألة خطيرة وهي الشرك، وكل ما يمت له بصلة.. فلماذا التدرج المزعوم في قضية تحريم الرق؟؟ لا شك أنه في الحرية لا توجد حلول وسط … فأما حرية أو رق، أما قضية التدرج في التحريم والمنع التي يثيرها الإسلاميون في كل مناسبة فلا نجد لها سندا تشريعيا حقيقيا إلا في قضية واحدة فقط هي تحريم الخمر (وان كنا لا ننظر إلى مسألة الخمر على أنها تدَّرُج في التحريم قدر ما هي تَخبُط في حسم الموقف من الخمر) لكن الإسلاميين يطيب لهم أن يتحدثوا عن التدرج وكأنه قانون إسلامي في كل قضية يشعرون حيالها بالحرج كما يفعلون مع قضية الرق، فالإسلام لم يحرم الرق ولم يلغه ولا يوجد أي نص يشير إلى نية بإلغائه تدريجيا كما يقولون، ولا ندري من أين اخترعوا (نظام إلغاء الرق بشكل غير مباشر)!! فالتشجيع الأخلاقي على العتق وجعله كفارة لبعض المعاصي لا يُسمى (إلغاء للرِّق) وحتى إذا سلمنا جدلا بوجود سياسة لإلغاء الرق تدريجيا فلم نفهم مبررات هذا التدرج في قضية حاسمة ومصيرية وهي الحرية؟؟ وحرية الإنسان أعظم القيم في الوجود.
3- والخلاصة … لقد حافظ الإسلام على نظام الرق الذي يجرد العبد من إنسانيته، فلا يستطيع العبد ان يتزوج إلا بأذن سيده، ولسيده أن يطلقه إذا شاء، وللسيد أن يطأ أمته بل ويحللها لغيره إذا شاء!! ولا تُقبل شهادة العبد، ولا يقام حد القذف على من أتهم عبدا بالزنا، ولا يُطبق مبدأ القصاص إذا كان المجني عليه عبداً، وحَدّ الزنا على الأَمَة هو نصف حدّ الزنا على الحرة، ودية الحُر تختلف عن دية العبد (راجع الأحكام الخاصة بالعبيد في كتب الفقه لتجد أن الفقه الإسلامي العادل يميز في كل شيء بين العبد والحر.. بل لقد وصل التمييز إلى العبادة أيضا! اذ لا يجب الحج ولا الجهاد ولا صلاة الجمعة على العبد وذلك كي لا يُشغل عن خدمة سيده!!) تحياتي شيخنا في تحملكم تلك الكلمات لكن تشهد القيم الإنسانية والعبادية التي نحملها انها من اجل البحث العلمي والتاريخي.
الشيخ: 1- كما تعلم أنه لا يوجد دين سماوي نادى بإزالة الرِقيّة، بل أنها كانت من مسلمات المجتمعات المتدينة وغير المتدينة. إذن هو مأخذ يؤخذ على العقل البشري وليس على الشرائع بما أن الشرائع تأخذ مستوى العقل الجمعي بعين الاعتبار.
2- إن عمل الديانات الجوهري هو الارتقاء بالمستوى العقلي للمجتمع، والذي يتفرع منه اكتساب مفاهيم جديدة وسقوط مفاهيم أخرى، تارة بصورة مباشرة للمفاهيم والقيم التي وصل العقل الجمعي إلى مستوى من مستويات تَفّهُم إسقاطها، وذلك عن طريق الخطاب بأي مرتبة من مراتب الخطاب -أعني الوجوب أو الاستحباب أو غيره- وتارة بصورة غير مباشرة، وذلك لا عن طريق الخطاب والأمر وإنما عن طريق الرقي عن مستوى ما يُسقط به ملازمات ذلك المستوى، ويجعلها مستنكرة لصاحب هذا المستوى العقلي. فكانت الخطوة الأساس لكل ديانة هي تثبيت تلك الديانة والتي غالباً ما يلازمها –أعني هذه الخطوة- بعض التضحيات والتي ربما منها بقاء الرِقيّة. ثم المفروض أن بعد الثبات يبدأ طرح المفاهيم الأوسع التي تناسب المستوى العقلي في تلك المرحلة. وإلا فإن طرح أي مفهوم مع اليقين أو الظن الراجح بعدم تقبل المجتمع لذلك المفهوم يُعدُّ بُعداً عن الحكمة. فكانت مسألة سقوط الرِقيّة هي من نتائج تطور العقل البشري. فربما لم تكن من عمل الأديان بصورة مباشرة أو بصورة كاملة وإنما بصورة تأسيسية من خلال بعض المفردات، من قبيل ما طرح الإسلام لبعض المفاهيم التي تنظم حياة الرقيق وترفع شيئاَ ولو يسيراً من مستوى الرقيق اجتماعياً. فلو نظرنا إلى الرقيق قبل الإسلام لرأينا العبد يُقتَل لأتفه الأسباب ويمنع من ممارسة الكثير من أعمال الأحرار بل لا يحق له أن يجلس في مجالسهم، أما لو نظرنا لأحوالهم بعد الإسلام لرأينا الكثير من علماء وعظماء الإسلام هم من العبيد، حتى أصبح سادات الأحرار يأخذون معالم دينهم من العبيد، وهذا يُعد انجازاً في مجتمع يرى العبد بمستوى الحيوان، بل يستنكف أحدهم أن يسير بجانب عبده.
3- إن أسلوب التدرج هو من الأساليب العقلية والنفسية التي ثبت نجاحها في كل العصور وعلى كل المستويات، في الوقت الذي أثبتت الأساليب الدفعية فشلها في كثير من الموارد، ولولا أسلوب التدرج لما تعلم الطفل الكلام، والمجتمع لا يختلف عن الفرد من هذه الجهة.
4- ثم أننا نجهل عمق هذه المسألة في المجتمع العربي أو الإنساني عامة آنذاك، فلا ندري ما المساحة المتاحة للمُشرّع في ذلك الحين. ولكم جزيل شكري.
[1] – سورة الحج/ الآية 5
السائل: السلام عليكم شيخنا. ذكرتم في مقدمة كتابكم الجليل قواعد الإيمان كلمة (المُحدَثين) فمن تقصد بهم؟.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله تعالى. المقصود كل من بلغ رتبة سماع الصوت.
السائل: عفواً شيخي ذكرتم بأن المقصود من المُحدَثين هم من بلغوا رتبة سماع الصوت فأي صوت هو؟ هل الوحي الإلهي أو إيحاء الله أو ماذا؟.
الشيخ: هو صوت ملكوتي دون الوحي بمراتب عديدة.
السائل: عفواً شيخي لقد سمعت بأن الملكوت هو عالم (بفتح اللام) فهل لهذا العالم صوت؟ وما هي فائدة هذا الصوت؟.
الشيخ: ليس هو صوت العالَم، إنما صوت نازل من ذلك العالم، يوجّه صاحبه ويَعرِف من خلاله ما يُراد منه.
السائل: شيخنا الجليل كيف يمكن الوصول إلى رتبة (المُحَدَثين)؟.
الشيخ: بأداء كل الواجبات وتجنب كل المحرمات، ثم الدخول في مرحلة الآداب، ثم الدخول في مرحلة الأخلاق، ثم تجد من يأخذ بيدك نحو مدارج الكمال الخاص عندها تصل بإذن الله تعالى.
السائل: شيخي الجليل ما هي أول مرتبة من الآداب لكي يكون سيري صحيحاً.
الشيخ: عليك بكتاب مرآة الرشاد لعبد الله المامقاني تعمل به تطبيقاً.
السائل: شيخنا العزيز. هل هناك دعاء خاص أو عمل خاص لنيل شرف المعرفة الإلهية، أو للتعرف على أستاذٍ خاصٍ؟.
الشيخ: باللجوء الحقيقي لله تعالى وتقديم العجز في ساحته.
السائل: شيخنا الجليل كيف يكون اللجوء الحقيقي؟ لا الوهمي؟
الشيخ: إنَ سوء الظن تحقُّيقاً بكل السبل يوصل إلى اللجوء.
السائل: وفقك الله سماحة الشيخ، لدي سؤال لو تكرمتم هل ممكن للمرأة أن تتكامل؟، وما مقدار تكاملها؟ هناك من يقول إن النساء لا تتكامل بالكمال الخاص فقط يمكن لها التكامل بالكمال العام؟. فما هو رأي جنابكم؟، دمت ودام فيضك.
الشيخ: نعم للمرأة أن تتكامل في الكمال الخاص، لكن يصعب عليها الوصول، إنما تصل إلى مراتب معتد بها ما دون الوصول.
السائل: شيخنا الكريم وما هو السبب في عدم الوصول برأيكم؟. ذكر جنابكم أن هناك مراحل تصل لها لكن ما دون الوصول في حين إن الكمال لا متناهي؟. والقران الكريم يقول (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[1]. ألا يدل ذلك على إمكانية الوصول؟، وأن لا فرق بمنظار الله تعالى بين الاثنين؟. أفيدونا جزاكم الله ألف خير.
الشيخ: ما تفضلت به هي مراتب مشتركة وهي مراتب أولية، وما نتكلم عنه هي مراتب أعلى من ذلك بكثير، والإمكانية المودعة بالمرأة لا تمكنها من ذلك.
[1] – سورة الأحزاب/ الآية 35
السائل: السلام عليكم شيخنا الفاضل. لماذا نقول بالدعاء (اللهم ارزقني حج بيتك الحرام)[1] وأنا على يقين بأني لن اذهب لان الحج يتطلب أمور أنا لم أقم بها؟.
الشيخ: إن تَحقَّقَ هذا اليقين فالمفروض ترك هذا الدعاء، لأن من شروط الدعاء تيقّنُ الإجابة.
السائل: الكل منا يقرأه في شهر رمضان وهو من الأدعية ألمستحبة؟.
الشيخ: صحيح لكن ينبغي أن يقرأ بشروطه لأنه دعاء، وليس خطاباً عادياً، وأنت تخاطب به أعلى جهة في الكون، فَرضَتْ عليك شروط الدعاء وفَرضَت على نفسها تحقيقه، أما كيف يُحقق ذلك فهذا ليس من اختصاصنا.
[1] – السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص79
السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الجليل. أيهما اسبق الصفة أم الفعل؟ وكيف؟ جزيت كل خير.
الشيخ: عليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته… إن كل الأفعال تنبع من الصفات وتكون ممثلة لمستوى الصفة النابعة منها قوةً وضعفاً وطهارةً ولوثاً، فالصفات أسبق وجوداً.
السائل: جزاكم الله خيرا… سؤالنا: وكيف تكون الصفة مفهومة قبل أن تكون متحققة بالخارج، أو أن يكون هناك فعل دال عليها؟ فهل يمكن أن نطلق صفة الكرم على شخص لم يقم بالفعل أصلا…؟ أطال الله عمركم وجزاكم كل خير.
الشيخ: أيدكم الله تعالى… عدم تفعيل الصفة بصدور أفعالها لا ينفي حقيقة وجودها الكامن، لكنه ينفي تحققها وإفادتها فتصبح بمنزلة العدم لصاحبها، ورغم ذلك تكون الصفة ملحوظة برسل خواطرها، وإن كان لحاظاً يقرب من الوهم، لكن الفعل هو الدليل الأوضح والأجلى على وجود تلك الصفة عند الفاعل. وقد بسطنا الكلام عن ذلك في محاضرتنا – الإنسان- زادكم الله قرباً وعلماً.
شارك هذا الموضوع:
- انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة) فيس بوك
- انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة) Telegram
- انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة) WhatsApp
- النقر للمشاركة على X (فتح في نافذة جديدة) X
- اضغط للمشاركة على Pinterest (فتح في نافذة جديدة) Pinterest
- اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة) طباعة