الحــقـــــد

الحـقـــد 1

 

   هنالك سؤال يفرض نفسه على المتُدينين ويُنتَظر منهم الإجابة، وهو: ما الذي يدعو المسلم لبغض أخيه المسلم أو الحقـــد عليه؟ أليس من المفترض أن المسلم تربطه بأخيه أقوى الروابط في عالمي المادة والمعنى، وهي الأخوة الحقيقية، والتي حبلها متصل بالسماء؟ ما المانع من سيادة الأخوة بين المسلمين؟ هل المانع. هو الإسلام؟! قطعاً لا، فالجامع لا يكون مانع. إذن هو غير الدين وبما انه غير الدين فانه ليس من الدين.

   الدين ينهى عن العداوة والبغضاء ويزيل أحقــاد الصدور- هو من طبعه يزيل أحقــاد الصدور -، إذاً تباعُدنا فيما بيننا واقعه تباعد عن الدين لان الدين جامع وليس مُفرق، عندما يقول الدين أن المسلم اخو المسلم أو المسيحي اخو المسيحي أو اليهودي اخو اليهودي، ماذا يقصد؟ هل يقصد تشابه هوية؟ أم توافق في الانتساب؟ أم تشابه في الأفعال؟ نسأل نفس الدين – أي دين كان – وينبغي أن يبين لنا مقصده. يجيب: أن أخوة الدين التي اعنيها هي ليست تشابه ظاهري، وإنما هي واجبات تقع على المتدين تجاه أخيه، وهو مسؤول عنها، وان قصر فيها فقد بعد عن جوهر ذلك الدين، بل هو منفصل عن جمعيته.

   فإذا كان الأمر بهذه الأهمية، فينبغي أن نعرف ما هي هذه الأخوة التي ألزمنا بها ديننا، وما حدودها وملازمتها، بما أن عدم العمل بها يعتبر نقصاناً في تديننا.

   في نظر الإسلام – كدين كامل – الإخوة هي: الوئام والصفاء القلبي تجاه أخوك المسلم، هي حفظ أخاك المسلم في الغيب، هي إيجاد العذر لكل ما يصدر منه من أخطاء، هي أن تكون له ناصحاً وباراً ومبيناً له عيوبه وما ينفعه، هي أن لا تجعله يحتاج إلى غيرك، هي أن تقبل عذره وان كان كاذباً وتغفر زلته وان كان عامداً، هي أن يجدك خير ساترٍ إن ظهرت عيوبه، هي أن تدوم مودته في قلبك ولا يزيلها ما يصدر منه، هذه هي الإخوة في نظر الإسلام، والتي هي أساس قوام الدين، فان صفاء الدين من صفاء متدينيه وقوته من قوة متدينيه ، وضعفه من ضعف متدينيه. فان قوية أواصر الإخوة بين أفراد الدين قوي الدين وثبت.

   طيب: هذه الصفات والشروط التي وضعها الدين للإخوة ، لماذا لا نراها في إتباع الدين؟ أليس التدين هو الالتزام بتعاليم الدين؟ وان الإخوة بشروطها من تعاليمه؟ وما السبب الذي يباعد بين من تجمعهم أقوى الروابط؟ هل هذا السبب هو أقوى من الدين بحيث انه قادر على تفريق ما يحاول الدين جمعه؟.

   إن السبب الأكبر في تباعد الناس عن بعضهم والتقاطع الأكبر لربط الدين الواحد: هو البغضــاء والكراهيــة والعــداوة، والتي كلها تعود إلى الحقــد وهو ما يحقنه الإنسان في صدره تجاه أخيه. المفروض أن الدين حينما يحل في القلب تحل معه المودة لأهل ذالك الدين – على اقل تقدير-، إلا أن يكون ذالك الدين لم يتمكن من القلب، إنما نزلت صورته فقط وإلا فان دخل النور خرج الظلام تلقائياً.

   أذن لكي تتحقق الإخوة التي طُولِبنا بها، ليس لنا إلا سبيل واحد، وهو إزالة البغضــاء والأحقــاد من الصدور، لأن المانع من نزول وحلول الأخوة في الصدور هو وجود الأحقــاد في تلك الصدور والتي تمنع نزول الأخوة بكل السُبل، وقد بين لنا الحق تعالى ذالك إذ قال جل جلاله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ …. إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر : 47] أي بإزالة الغل وهو الضغينة والحقــد أصبحوا إخوانا.

   نستفيد من ذلك أن لا أخوة على وجه التحقيق إلا بعد إزالة الحقــد والضغائن من الصدور.

   الشئ الأخر الذي ينبغي أن نقف عليه هو: ما هي الأسباب والمولدات لهذه الأحقــاد؟ الذي نقطع به أن ليس ثمة حقــد لأجل إرضاء الله تعالى، أو حقــد سببه أخروي، وان حاول احد أن يقنع نفسه بذلك، أو يقنعه شيطانه بذلك. إنما كل الأحقــاد سببها أمور دنيوية تافهة عظمت في صدر الجاهل ، من الحسد وتوهم الأفضلية وعدم القدرة على مسامحة المقابل وغفران زلته وغيرها من مراكب ومطايا النفس الأمارة بالسوء ، فلا يحسبن احد أن حقـده لله أو نصرة لدين الله، فان الدين ورب الدين بريء من ذلك.

   كذلك لا يتوهم واهم أن بغضــه لأخيه أو حقــده عليه لا يضره بشيء، فانه من توهيم الشيطان، الحقــد هو الســم الأكبر للقلب والذي يصعب معه العلاج ، وهو من اشد مفســدات القلوب، وأكثر من ذلك فهو من أعظم أقفال أبواب العطاء القلبي !!.

   لا يقولن قائل أنا لا ابغــض فلان وإنما ابغــض تصرفاته وأفعاله وصفاته ، هذا تزين ليس إلا ، لان الإنسان عبارة عن أفعال وصفات ، وأما الذات فنحن اجهل من أن نحبها أو نبغضــها . كل إنسان ناقص مهما بلغ ما بلغ ، وكل بني آدم خطّاء – إلا مَن عصَم ربي – وكل إنسان توجد فيه صفه أو فعل أو حركة لا تعجبنا ، فهل هذا يستدعي أن نـبـغض كل البشرية ؟، هذا مرض وليس صحة.

    والأولى بالفرد أن يعالج هذا المرض ويتجنب آثاره، فإنه ماحق للإيمان وسالخ لثوب الإسلام.

   والعاقل أو المسلم، إن رأى في قلبه بغضــاً وحقـد على أخيه فعليه أن يستيقن أن قلبه غير سليم، إنما هو عليل، وعليه أن يَجدّ في طلب العلاج .

   إن سبب الغيبــة والبهتان والفتنـة هو الحقــد والكراهيــة، إن سبب تســقيط الناس والتشــهير بهم وتتبع عثراتهم هو ليس الدين أكيدًا إنما هو الحقــد والكراهيـة، إن سبب تكفيــر الناس بعضهم لبعض هو الحقــد والكراهيـة، إن سبب التقــاتل وسفـك الدمــاء وهتــك الأعراض هو الحقــد والكراهيـة، إن الويلات التي يعيشها الإسلام وأهله سببها الحقــد والكراهيــة،  إن ظن السوء بين الديانات وأهلها هو من نتاج البغــض والحقـد والكراهيـة، هذا هو الواقع وإن أنكروه أو أسموه بأسماء أُخر ، إن حقــدنا على المقابل كان من الأسباب الكبرى لابتعادنا عما أُريد منا، ولو تتبعت ألآن لوجدت أن المحركين الأكبرين للبشرية هما الطمـع والبغــض, والطمع أهون وطأة من البغــض ، فتصور لو خلت البشرية من البغــض وغل الصدور كيف تكون ؟.

   الحــاقد بحقــده دفع عن نفسه راحة الدنيا والآخرة، كما أن المحب جلب لنفسه راحة الدنيا والآخرة.

   ثم نسأل : ما هي الفائدة من الكراهيــة والبغــض ؟ ليس سوء أن النفس المتدنية تميل إليها، لا يوجد أكثر من ذلك، اسأل كل إنسان.

   والمشكلة الكبرى : هو أن يُشرعن هذا الحقــد و البغــض وينسب إلى الدين،  الذي أصبح مطية لرذائلنا وقذارتنا، ورب الدين صبور حليم.

   إن أساء لنا أخونا بكلمة سهواً أو غفلة صدرت منه تجدُ ان أول ردّة فعل لنا هي امتلاء صدورنا غيضاً وبغضــاً حقـداً عليه، وكأننا رفعنا شعار البغــض قبل العذر! إن سلمنا على شخص ما ولم يرد السلام الذي يُرضي غرورنا، حقنّا له البغضـاء ورتبنا على ذلك نتائج. أمرنا غريب!.

   أليس رب الدين يخاطب الذين يتعدون على مقامه ويخالفون أوامره وينسبون إليه ما لا يصح انتسابه إليه، يخاطبهم { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [الزمر : 53] أثناء عصيانهم وبهتانهم يقول لهم : لا تيأسوا من رحمتي ! سبحانه ! لماذا لا يحقــد عليهم؟.

   أو ليس رسول الدين يُهان ويُسب ويُشنع عليه ويُقذف بأبشع الأقوال وأشنعها، وتراه يرفع طرفه إلى السماء ويقول : ( ربي اغفر لقومي إنهم يجهلون ) يلتمس لهم العذر عند ربه ويغشى عليهم من العذاب.

   أليس الدين يقول : ( احصد الحقد من صدر غيرك بقلعه من صدرك ) ويقول : ( احتمل أخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب، فإنه يورث الضغينة ).

   ونحن ماذا؟ لا اقتدينا برب الدين ولا تأسينا برسول الدين ولا التزمنا بأوامر الدين ! فما نحن؟ ولأي جهة ننتسب ؟ أنا لا اعلم، ربما شي واحد وهو: اللهم أنقذنا من جهنم صدورنا.

والحمد لله رب العالمين

منتظر الخفاجي

اترك تعليقاً