وصايا رمضانيّة

وصايا رمضانيّة 1

من المحاضرة المرئية لسماحة الشيخ منتظر الخفاجي (دام عطاءه) الخاصة بشهر رمضان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على الحبيب الأمين محمد وآله الطاهرين

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 

بهذه المناسبة بودي أن أسلط الضوء على بعض النقاط التي تنفع الصائم في هذا الشهر الفضيل، بحيث ترتقي به إلى أعلى مستويات القبول الإلهي لأعماله.

النقطة الأولى: إن أفضل ما يستطيع أن يتقرب به الفرد من الله سبحانه وتعالى في شهر العطاء هو العطاء؛ لان الله سبحانه وتعالى جعل من خصائص هذا الشهر أنه سبحانه يضاعف فيه العطاء المادي أو المعنوي، فالحريّ بنا أن نقتدي بالله سبحانه وتعالى في هذا الفعل الذي اجتباه الحق سبحانه على سائر أفعاله في هذا الشهر الفضيل الذي نسبه إلى نفسه كما ورد في الخبر من أن شهر رمضان هو شهر الله، فينبغي أن تكون الصبغة العامة علينا في شهر رمضان هي صبغة العطاء؛ بمعنى أن نحاول قدر الإمكان  جعل شهر العطاء الإلهي هو شهر عطاء بالنسبة لنا، أي أن نفيض بأي نوع من أنواع العطاء على المقابل، ومن ذلك العطاء المادي من طعام أو شراب أو كسوة أو غيرها،  فمن المَعيب واقعاً أن ننتسب إلى المُعطي المطلق وجارنا جائع!، من المعيب أن تكون لنا مائدة واسعة فيها كل أصناف الطعام وفي حينا إنسان لا يجد خبزاً يقتات عليه، نعم من المؤكد أن أحدنا إذا صادفه إنسان محتاج سيُلبي طلبهُ، لكن هذه ليست هي المسألة، فالإنسان المتعفف الذي لا يطلب هل يبقى جائعاً ؟ المفروض منا أن نتحرك كما إن الله سبحانه وتعالى يُحرك ملائكته ويحرك البشر ويحرك غيرهم لأجل أن يُوجد رزقك، فالمفروض أن يكون لدينا حركة وبحث عن الشخص المحتاج ثم نسدّ احتياجه، وأن لم نوفق لايجاد ذلك الشخص المحتاج فلن نُعدم أجر البحث والاجتهاد، حينئذ يُسجَل لنا أجر التعب الذي تعبناه.

 أضف إلى ذلك أن في شهر رمضان ــ وهي ضمن حِكَم هذا الشهر ــ هو الشعور بالفقير أو الشعور بالجائع، فهل المطلوب هو الشعور فقط؟ أنا أشعر بحال الفقير وما يمر به المحتاج وأقول الحمد لله، أنا لست فقيراً، وانتهت المسألة؟! كلا، المفروض إن هذا الشعور يكون دافعاً ومحركاً لأجل البحث عن ذلك الإنسان المحتاج أو الفقير أو الجائع وسدّ احتياجه، وإلا فما حققت شيء من هذا الشعور، فالشعور إن لم يتحول إلى فعل يُطبّق على أرض الواقع، فليس من شعور على وجه الحقيقة وإلّا فما فائدة الفقير من شعوري؟ إذن ينبغي علينا أن نتحرك، ونحاول قدر الإمكان، أقلها في هذا الشهر، وإن كان هو مطلوب على كل حال وفي كل شهور السنة، لكن بهذا الشهر، لأن له خصوصية، والفعل مضاعف الأجر فيه، أن نبحث عن الإنسان المحتاج أو الجائع ونحاول قدر الإمكان أن نُريَه عطاء الله في شهر العطاء.

النقطة الثانيّة: هي إدخال السرور على قلب أخيك، مما ينفع في هذا الشهر أكيداً هو أن نُدخل السرور على قلوب إخواننا بالتزاور، بالتواصل، بالتهادي، وغيرها من أساليب إدخال السرور، فحينما تزور صديقك أو أخوك وتُدخل السرور على قلبه بكلمة، بفعل، بمادة، بأي شيء آخر، حينئذٍ انت أدخلت السرور على قلب الله سبحانه وتعالى (لو جاز التعبير) لأنك أدخلت السرور على قلب عبد مؤمن من عباد الله، وهذه لها منفعة كبيرة يأخذها الله بعين الاعتبار أكيداً.  

النقطة الثالثة: كذلك مسألة التسامح فكثير منا وقع عليه الظلم بأي شكل من أشكاله فالمفروض علينا كعقلاء وفي شهر رمضان خاصة أن نسامح الكل، نحاول أن نعفو عمن ظلمنا، نحاول قدر الإمكان أن نُزيل من قلوبنا الاضغان، أن نُزيل الأحقاد، أن نزيل كرهنا للمقابل، حينما ينظر الله سبحانه وتعالى إلى قلوبنا ينبغي أن لا يرى فيها إلا النقاء، لا يرى فيها حقد، لا يرى فيها ضغينة، فإن كان الله لا يرى في قلوبنا إلا النقاء حينئذ تقدمنا خطوة نحو النقاء المطلق جلّ جلاله وهذا شيء ليس بالقليل، عندها نقول استفدنا فائدة كبيرة من شهر رمضان. وبما أن من خصائص شهر رمضان تُغل فيه الشياطين وتضعف فيه النفوس الامارة بالسوء، فهي فرصة علينا أن نستغلها قدر الإمكان ولا نضيعها.

النقطة الرابعة: ردّ المظالم، علينا أن نسعى في هذا الشهر الفضيل إلى ردّ مظالم الناس، فإن كنتَ قد ظلمتَ انسان بأخذ حقه، أو ظلمته بكلمة، بغيبة أو نميمة أو غيرها فعليك أن تطلب مسامحة هذا الإنسان وتطلب عفوه؛ حتى تخرج من شهر رمضان وليس في رقبتك ظلم لأحد من الناس؛ حينئذٍ نكون استفدنا من هذا الشهر الفضيل، نعم قد تكون هنالك موانع أو حُجُب أو مزاحمات عن أداء هذا الامر، كعزة النفس، والخجل وغيرها من هذه الأمور، فلا ينبغي أن تمنعك هذه الموانع عن أخذ فائدة بهذا الحجم.

النقطة الخامسة: ايضاً فيما ينفع في هذا الشهر، هو العطاء المعنوي، والمتمثل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة ما أمكن،  فَاللَّهُ سبحانه وتعالى حينما يكشف لك نقص الانسان المقابل لا يريد منك أن تمسك ممسكاً على ذلك الانسان إطلاقا؛ انما يريد منك أن تعالج هذا النقص الذي رأيته في أخيك، فالحق سبحانه حينما يكشف لك العيب والنقص الذي في أخيك سواء كان نقص في صفاته أو في أفعاله أو في كلامه، يريدُ منك أن تَسد هذا النقص وتعالج مشكلته بالطريق المناسب لا أن تفضحهُ! فهذه ليست أخلاق الله سبحانه. حينما يفتح الله جلّ جلاله لنا هذا الباب فالمتوقع منا أن نعمل به لا أن نغلقه، فلا تقُل هذا ليس من شأني، بل هو من صميم شأنك لأنه أخوك،  فَاللَّهُ هكذا ينظر،  ينظر أن هذا أخوك، وعندما يبين لك نقصه فإنه يتأمل منك أن تسد نقصه لا أن تقول ليس من شأني، حينما  يفتح  الله تعالى لك هذا الباب فعليك أن تَلِجَه، وتتجاوب مع الله سبحانه وتعالى بهذا الأمر،  فتسدّ نقص أخيك من خلال النصيحة ومن خلال الأمر بالمعروف. ربما تقول أن المقابل لا يستقبل النصيحة، سأقول لك في أكثر الأحيان عدم إستقبال المأمور بالمعروف للنصيحة هو بسبب الخطأ في أسلوب الناصح، نحن حينما ننصح شخص ما فإن دائنا أننا ننصح وكأننا مُعطين ومتفضلين؛ حينئذٍ نغلق باب قلبه، أنا عندما أنصح شخص معين وأرى نفسي ناصحاً وهو منصوح فقد أغلقت مسامعه بإثارة كبريائه، المفروض أن لا يكون النصح بإسلوب المُعطي انما بإسلوب المستقرض، أي كأنك تستقرض منه شيئاً، ينبغي أن نكون متواضعين حين النصح، لا متكبرين نرى أنفسنا أعلم وأكبر وأفضل.

فعلى الناصح أن يختار الأسلوب الألطف والطريقة الأمثل والوقت الأنسب للنصح، عندها سيُستَقبَل نُصحه، فلا يوجد مانع من تَقبُل ذلك النصح فالمقابل محتاج والمحتاج يريد سدّ احتياجه، وإن كان بدون أدراك ذهني، ففي داخله يريد سد هذا الاحتياج، وهنالك مكاناً بداخله سوف يستقبل هذا النصح، وعليه فهذه الأمور  تنفع في هذا الشهر الفضيل.

النقطة السادسة:  حوى هذا الشهر على ليلة القدر، والتي تُقدَّر فيها الآجال، وتُقدّر فيها الأرزاق، وتقدر فيها البلايا والمصاعب الخ … فالمفروض منا أن نجعل شهر رمضان بداية السَنة الإيمانيّة، ( بداية سَنتنا الإيمانيّة ) كيف نريد أن نُصبح فيما بعد شهر رمضان،  كيف نقرر مصائرنا فيما بعد شهر رمضان، حينئذ ينبغي أن نؤدي الأعمال التي تكون هي المُقرِرَة لمصائرنا فيما بعد هذا شهر، فَاللَّهُ سبحانه حينما يرى ان مستوياتنا في شهر رمضان اختلفت عما كانت قبله؛ حينئذ  سيغيّر أقدارنا وارزقنا على ما يناسب مستوانا الجديد.

فعلينا أن نستغل هذه الفرصة ونُثَبِّت مرتبة إيمانيّة جديدة أعلى من المرتبة السابقة فيقدر الله ربنا ما لنا وما علينا على أساس المستوى الجديد، هكذا ينبغي أن نستفاد من شهر رمضان.

والحمد لله رب العالمين

 

 

اترك تعليقاً