الصدر الشهيد لمن ألقى السمع وهو شهيد

الصدر الشهيد لمن ألقى السمع وهو شهيد 1
من كتابنا
الصدر الشهيد لمن ألقى السمع وهو شهيد
القول الثاني
في النظام العام
يقول السيد الشهيد محمد الصدر – قُدس –:
(إن أي فعل أو قول من أي إنسان صالحاً أو باطلاً ضحلاً كان أو عميقاً، مؤثراً كان أو عاطلاً، واقعٌ لا محالة ضمن الطريق الموصلة الى الأهداف) .
في البدء يجب أن نعرف ما مقصوده –قُدس سرّه– من الأهداف.
نقول: إن المُصنِف ذَكَرَ هدفين رئيسيين وهما الهدف الكوني الذي عبّر عنه بالتخطيط الكوني، والثاني الهدف البشري، أي الهدف من إيجاد البشرية، وعبّر عنه بالتخطيط العام للبشرية. وقد يلتقي هذان الهدفان في المستقبل البعيد بما يسمى الهدف الكلي، وهو الهدف لكل ما أوجد الخالق العظيم في المسير التكميلي، فلابد أن تكون هنالك عملية تكميل بين أجزاء هذا الكون، فيُكمل الجزء الأعلى الجزء الأدنى من الخلق، بما له من قابلية التأثير بما دونه.
فأما الهدف الكوني فهو المسير في الكمال حتى يبلغ المرتبة التي يرتضيها الحق من الصورة الكونية التي في علمه، ثم تبدأ مرحلة كونية جديدة ربما يكون للإنسان دخلاً فيها أو يكون هو المؤثر الأكبر فيها.
أما الهدف العام للبشرية فهو حسب رأي أستاذنا الصدر الشهيد وصول البشرية الى مقامات ما فوق العصمة.
فكِلا الهدفين سائران في خط الكمال العام، كلٌ على حسب إمكانيته التكوينية واستعداده الخَلقي. ومن المؤكد أن المسير الكمالي هو اكتساب، فكما يكتسب الإنسان من مسيره كذلك ينبغي أن يكتسب الكون من مسيره وإلا فلا كمال، إنما الكمال هو سد النقص وإضافة شيء جديد، كما تحصل التغيرات في الإنسان على الصعيد المادي –الجسدي– والمعنوي –النفسي– فكذلك تحصل هذه التغييرات في الكون على الصعيدين النفسي والجسدي، فيتغير الكون وِفقَ ما يصل اليه في مراحله الكمالية.
ومن تلك المراحل يكون ارتقاء كوكب ما من مرحلة عدم صلاحيته للعيش الى صلاحيته التامة، فلا غرابة، كما أن الإنسان يتكامل من عبدٍ لشهواته الى سيدٍ عليها.
﴿وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
إذن الأهداف التي ذكر السيد الشهيد وان كان المقصود منها الأهداف الإنسانية العامة لكن في نهاية الأمر تتصل بالأهداف الكونية.
في هذا القول يطرح المُصنِف –قدس– أمراً لا يمكن الوقوف عليه إلا من خلال النظر والاستشراف على عالم التخطيط، فإن الأدلة الموجودة لدينا سواء الإسلامية أو غير الإسلامية لم تبلغ هذه النقطة من العُمق المَعرفي، فعالم الإرادة خارج حدود عالم التشريع.
حينما يقول – قدس – (إن أي فعل أو قول من أي إنسان …) أي أن أفعال البشرية وأقوالهم مهما كانت حسنة أو سيئة واجبة أو محرمة، مخالفة للعقل أو القلب فهي ضمن الطريق الموصل الى غاية وجود الإنسان، وليس ثمة عوائق أو موانع من تحقيق تلك الغاية مادام الخالق جلّ جلاله مريد لها، وعلى هذا القول تكون البشرية في دائرة مغلقة من جهة التصرفات وان كانت ترى خلاف ذلك!
لماذا لا تستطيع البشرية الانحراف عن الأهداف؟
من خلال ما طرحه أستاذنا الشهيد نفهم أن البشرية لا يمكنها بحال من الأحوال الانحراف أو الابتعاد عن الأهداف التي رُسمت لها، وأن هي سعَت لذلك، وهذا يعني أن ثمة قيود تكوينية قُيدت بها البشرية والتي بدورها تشكّل المانع من الانحراف عن تلكم الغايات، فما هي تلك القيود؟
نستطيع أن نقف على أهم تلك القيود، والتي تتمثل بالتالي:
القيد الأول: القابلية البشرية.
القيد الثاني: المُحرّكية الذاتية.
القيد الثالث: ساحة الاختيار.
القيد الرابع: الغاية.
وتفصيل ذلك:
أولاً- القابلية البشرية:
فإن القابلية أو الإمكانية البشرية في كل جوانب الإنسان سواء العقلية أو النفسية أو غيرها، محدودة وليست مطلقة، وهذه المحدودية لا تتيح لها القدرة على الخروج عن طريق الأهداف، فهي متناسبة ومستوى تلك الأهداف.
وبتعبير آخر: أن البشرية لم تُعطَ الاستعداد الكافي للانحراف عن الأهداف العليا لوجودها، فكانت قابليتها فاعلة داخل دائرة الأهداف، وكل ما كان داخل دائرة استعدادها، مهما تعمق وعلا أو ضحل وتسافل، فهو داخل خطوط نظام الأهداف العليا.
وربما كانت هذه المحدودية ناتجة عن محدودية العقل البشري بالدرجة الأولى.
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾
وهذه القلة ناجمة عن محدودية المدارك العقلية وليس عن نقص الفيض العلمي، على الرغم من أن للعقل القابلية على التوسع ولكن هذا التوسع محسوب.
ثانياً- المُحرّكية الذاتية:
إن المُحرّك الكلي للبشرية والذي يُحرّك كل أركان وجوانب الإنسان هو المُحرّك الذاتي، والذي يُحرّكهم باتجاه واحد وان اختلفت خطوط المسير، وذلك الاتجاه هو الأهداف التي وُضعت للبشرية.
وقد أسماه أستاذنا الشهيد الصدر بغريزة الشوق للكمال المطلق ، فهذه الغريزة هي المُحرّك الأساس للبشرية. وقد يكون هذا المُحرّك هو تلك النفخة التي نفخها الخالق جل جلاله في آدم عليه السلام
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾
وهذه النفخة الإلهية تتوق للرجوع الى ذلك العالم الذي صدرت منه.
فيكون هذا المُحرّك الذاتي هو القائد للبشرية نحو غايتها وان اختلفت الجزئيات فكلها داخل دائرة الأهداف. قال تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾
أي مهما تعددت الطُرُق، سواء نزولاً أو صعوداً ومهما اختلف المسير، فالكل يصل اليه وهو المنتهى.
 
يتبع…….
 
الشيخ منتظر الخفاجي

اترك تعليقاً