العقوبــة والعطــاء
ان العقوبات هي أساليب ردعية نضمن من خلالها عدم تكرار الخطأ. هذا هو التعريف العملي المعمول به عند من له سلطة العقوبة.
وحين تطبيق هذا الأسلوب الردعي يخرج المطبّق بالنتيجة المتوخاة منه، لكن ليس دائما، ففي بعض الأحيان لا تؤدي العقوبة المصلحة المتوخاة من وجودها، فتذهب سداً.
واغلب العقوبات هي عبارة عن ضغط نفسي ناتج عن فعل او قول.
فعندما يعاقِب صاحبُ السلطةِ المخطئَ فإنه يبتغي من عقوبته تسبيب الألم المُبَيّن لحجم الضرر الذي أنتجه الخطأ والذي يكون رادعا عن تكرار الخطأ.
لكن بعض العقوبات وربما اغلبها صادرة عن شهوة الانتقام والتشفي وغير ناظرة الى الجهة التأديبية او الردعية، وانما هي تفريغ لدافع داخلي تولّد من فعل المخطئ.
فالذي يعاقب غالباً لا ينظر الى آثار عقوبته على المُعَاقَب انما تركيز نظره يكون الى الطريق الأنسب لتفريغ ذلك الدافع.
وكلا المرتكَزَين من العقوبة يفتقر الى الفائدة الحقيقية للمعَاقب او المذنب. لذلك نرى أكثر أساليب العقاب البشري لم تخرج بنتائج جيدة، بسبب تغييب الفائدة الحقيقية للمذنب حين تحديد العقوبة.
إن العقوبة التي لا يُنظَر منها لمصلحة المذنب المجردة هي عقوبة ناقصة، استهدفت جوانب محدودة، وهي تسبيب الألم للمذنب ودفع ضرره عن غيره او عن المجتمع، ورد الاعتبار لمن أُذنب بحقه، لكنها أغفلت الجانب الأهم وهو الفائدة الحقيقية للمخطئ. ومن هذا ترى كثرة الأخطاء والجرائم رغم كثرة العقوبات وهذه معادلة تشكو من خلل.
ان الردع الناجع للمخطئ هو بإزالة مسببات الخطأ وليس بإخفاء الأثر المرئي للمخطئ، وتحويله من خطأ ظاهر الى خطأ كامن في داخل الفرد.
حينما يخطأ ابنك او عاملك او من هو تحت سلطتك، وأردتَ معاقبته فينبغي ان تحمل عقوبتك من العطاء والفائدة أكثر مما تحمل الألم والاذى، لان العقوبة بالمعنى الكامل هي عطاء كاملٌ نافعٌ مخالف لرغبة النفس؛ ولذلك يكون ثقيلاً على النفس، وليست العقوبة انتقاماً وتشفياً كما يفهما اغلب الناس عملياً، والبائن من خلال نوع عقوباتهم، فعندما يخطئ معك ابنك فأسرعُ عقوبة لدينا هي الضرب او الحرمان، وهما اسلوبان خاليان الى حد ما من الفائدة او العطاء.
وسبب ذلك أننا نسارع الى أقرب أسلوبٍ من أساليب العقاب دون النظر الى آثاره ونتائجه.
حينما نركّز على أوجه الفائدة من العقوبة للمذنب عندها سيتغير الكثير من أساليب العقوبات الساذجة وأنواعها .
حينما تتحول العقوبات من ألمٍ مجردٍ او ألم من المحتمل ان يسبب في تغيير تصرفات المذنب، الى عقوبات ناظرة الى النقص الذي صدر منه الذنب، ناظرة الى النقص في شخصية المذنب والذي يطالب بسده بلسان الذنب او لسان الظهور؛ حينئذ سوف لن تخرج عقوباتنا عن صنفين، اما عقوبات تؤدي الى علاج ذلك النقص، او عقوبات عطائية عامة تحقق فائدة للفرد.
عندما يخطئ ابنك وتعاقبه بقراءة الكتاب الفلاني او مساعدة محتاج او التفكر بحكمة معينة أو بكسر الخجل لديه فقد حققت أمرين:
الأول: أنك سببت له الضغط او الألم الذي تعتقد بفائدته.
والثاني: أنك قدمت له منفعته التي لا يرغب بها. وفي مرحلة ما حينما يفكر في عقوبتك سيجدها عبارة عن عطاء صَعُبَ على نفسه تَقبُّله.
ان أساس قانون العقوبات-الذي أعرفه- هو العطاء الاجباري وسد النقص الّاختياري.
والذي من خلاله تكون قد ساهمت برفع مستوى المذنب على الصعيد العقلي ان كانت العقوبة فكرية وعلى الصعيد النفسي ان كانت العقوبة نفسية وهكذا.
حينما يخطئ فرد من رعيتك او مقربيك فقد اعطاك فرصة لتقويمه.
لكن ينبغي ان يتوخى الفرد أمراً واحداً قبل اصدار عقوبته لكي يخرج بالنتيجة الكاملة، وهذا الامر هو ان يتجرد الفرد من تدخلات نفسه ورغباتها حين صياغة عقوبته.
منتظر الخفاجي
دامت أنفاسكم الطاهرة سماحة أبونا الحبيب
شكرا لطيب الكلام. ادارة المكتب
ادام الله تعالى وجودكم سيدي ومولاي.
ادام الله تعالى وجودكم
دام فيض ابانا ومربينا
ادام الله تعالى وجودك