مخــاطر اجتمـــاعية
القتل الاسري
ازدادت في الآونة الأخيرة جرائم القتل داخل الاسرة الواحدة في مجتمعنا، الأب يقتل ابنه، الزوجة تذبح زوجها، والابن يقتل أبويه وغير ذلك من الجرائم وفي أبشع صورها. وان تتبعنا أسباب هذه الجرائم نجدها أسباب لا ترقى الى هكذا عقوبة؛ بل بعضها ليس عقوبة ولا ناشئ عن انتقام وانما بدافع رغبة معينة، كتلك المرأة التي رغبت برجل اخر فذبحت زوجها لأجل ان يحل لها الزواج من ذلك الرجل!!!. وأيضا ذلك الشاب الذي قتل امه لأنها لم تعطه المال.
هذه الحالات وما بمستواها نشأت من تسافل المجتمع، حينما ينزل المستوى الكمالي للمجتمع فذلك يعني زوال حصانة المجتمع والتي هي القيم والأخلاق والتقاليد والروابط، فحينما يسقط مبدأ احترام الكبير سيُفتح باب التجاوز عليه بأدنى الأسباب، وحينما تسقط قيمة بر الوالدين يكون الطريق ممهداً للإساءة اليهما بأدنى فورة غضب إذ لا حاجز داخلي يحول دون ذلك.
ومن المؤكد ان القتل هو مرتبة من مراتب التجاوز، فمن يفتح باب الإساءة الى ابيه او امه او زوجته بالكلام فقد فتح الباب للتجاوز بالأفعال والذي القتل منها، فليس بين الإساءة بالقول والإساءة بالفعل إلا مسافة يسيرة وخطوة صغيرة.
من المشاكل الكبرى التي يواجهها مجتمعنا في هذه المرحلة هو عدم وجود مغذيات وروافد للقيم والأخلاق والاعتبارات العليا وبالتالي فإن هذه القيم والاعتبارات سوف تذبل وتموت تدريجياً.
في السابق كان المجتمع يستسقي عطاءه القيمي والأخلاقي والتربوي من عدة منابع، منها المؤسسة الدينية والمؤسسة العشائرية والمجالس الثقافية والمدرسة والاسرة وخاصة كبار السن منهم، وربما حتى الحكومات كانت لها مساهمة في تغذية المجتمع ببعض القيم او على أدنى تقدير خلق الموانع عن تجاوز القيم الاجتماعية، لكن في المرحلة التي نعيشها فقد جفّت كل تلك المنابع وانحرفت عن قِبلتها الى قِبلة أخرى تمثلت بالنظرة الانانية، فالبعض تخلى عن دوره نهائياً والبعض الاخر ربما أبقى على القشر الظاهري واستبدال جوهره بجوهر آخر.
الأسباب المولدة للجرائم الاسرية كثيرة، لكن الأبرز منها حسب تتبعنا هي:
أولاً: نزول قيمة الاسرة الى مرتبة ثانوية وصعود الرغبات الفردية الى مرتبة أولية، فأصبح من السهل فك الروابط الاسرية لأجل المصالح والرغبات الشخصية.
ثانياً: قصور العقل عن إيجاد حلول لمسببات القتل الاسري والقفز من منطقة الحلول الإيجابية الى منطقة الحلول السلبية.
ثالثاً: ضعف التحمل الناشئ من سوء التربية وربما لترف المعيشة سبب في ذلك.
رابعاً: غياب الثقافة الاسرية والوعي العائلي، فلا توجد توعية بأهمية الاسرة للفرد، ليس من الجهة المادية فحسب وانما آثار الروابط المعنوية بين افراد الاسرة.
خامساً: غياب التوعية الدينية الاسرية، فإن كل الديانات اهتمت بجانب الاسرة ورفعت من شانه لأهمية المؤسسة الاسرية، لكن للأسف في هذه المرحلة التي نحن بأحوج ما نكون لذلك، ترى المؤسسة الدينية تصب اهتمامها على الاحتياجات المعاشية.
ان القضاء على الجرائم الاسرية أمر مستبعد الى حدٍ كبيرٍ نسبةً لما وصل إليه المجتمع، لكن ذلك لا يعني اهمال الامر بالكلية انما إصلاح ما يمكن إصلاحه وتلافي ما يمكن تلافيه. ومما يقلل من هذه الجرائم:
أولاً: الاهتمام بهذه المسالة اهتماماً بقدر حجمها وأهميتها من قبل ارباب المجتمع وأعني بهم، رجل الدولة ورجل الدين وشيخ القبيلة والمعلم ورب الاسرة، كلُ يعمل قدر مساحته وإمكانيته، فحينما يتوجه رؤساء أطراف المجتمع فسوف تحل أكبر مشكلة ويتم القضاء عليها، وحينما يتحول رجل الدولة أو شيخ القبيلة أو غيرهم من مولد للمشكلة الى معالج؛ حينها لن تصمد أي مشكلة لعدم وجود من يغذيها.
ثانياً: عدم السماح للمشاكل بالتراكم في الاسرة، فقد تكون المشكلة الواحدة غير قادرة على توليد دافع القتل لكن ان تراكمت عدة مشاكل فسوف تغلق دائرة الحلول مما يدفع الفرد الى ارتكاب جريمته، فعلى الاسرة ان لا تسمح بتراكم المشاكل وازدحامها في الصدور.
ثالثا: تقوية الروابط الاسرية بحيث تمسي أي انتكاسة عاجزة عن فك تلك الروابط، وذلك من خلال التواصل الاسري بكل شيء وشعور افراد الاسرة بعضهم ببعض، وكسر حواجز التخوف والخجل واللامبالاة وكل حاجزٍ يكون سبباً في ابعاد افراد الاسرة عن بعضهم.
رابعاً: تثبيت الأسس الصحيحة في الاسرة والتي تكون من خلال التربية الصالحة، ليس فقط للأطفال بل لكل أفراد العائلة فقد يكون الكبير أحوج الى التربية من الطفل الصغير، ومهما بلغ الانسان عمراً وكمالاً يبقى باحتياج للتربية.
منتظر الخفاجي