كما ذكرنا أن مبدأ العمل وغايته هو تمتين العلاقة بالحق سبحانه من خلال التدرج بمدارج القرب في الدورة الثانية الكائن في عالم البقاء. والكمال الكائن في عالم البقاء بالله هو كمالاً احاطياً فيشمل كل كيان الانسان.
وفي مقام العمل قد يتخذ العامل عملاً يستفاد منه كمالاً في جانب واحد من جوانب كيانه، ومن جهة أخرى يُكشف له وجهاً واحداً من الوجوه الإلهية، وستكون معرفته العملية مقتصرة على أسلوبٍ واحد من أساليب الحق؛ حينها سيعمم طريقة التعامل الإلهي التي شهدها على كل أعماله، ويتخذ من الرضى الإلهي المتحصل مقياساً لأعماله الأخرى، وهنا سيكون العامل محدود المعرفة، ومقيداً بوجه واحد، وبالتالي سيكون طريق مسيره للحق ليس تاماً، فيجهل الكثير من موارد الإرادة الإلهية التي قد تُفاض من أحد الوجوه الإلهية التي لم يتعامل معها، وربما لم يعلم بوجودها.
وعلى ذلك يجب على العامل الذي يبتغي الكمال في القرب أن لا يوقف نفسه على نوع واحد من أنواع التقدمة، ولا يستقر على مرتبة واحدة من العمل، فإن هو اتخذ من العمل الواحد بابه الخاص بينه وبين الحق؛ فسيكون موته في ذلك العمل، ثم التضحية بمملكة العامل صعب على النفس، لكن الغاية ليست العمل، فكل عمل إلى زوال مهما كان وسعه ومهما كانت قيمته؛ لذا على العامل أن لا يوقف نفسه على باب واحد من الأعمال، إنما يتنقل بين عمل وآخر مغايراً له، حينها سيجد أن النظام الإلهي في هذا العمل يختلف عن سابقه، وسيجد أن التعامل الإلهي معه يختلف عن تعامله معه في العمل السابق، وسيشهد وجهاً الهياً يختلف عن الوجه السابق، فقد يتجلى الحق لعامله في ذاك العمل بوجه الهيبة والسلطان، ويتجلى في العمل الآخر بوجه الأخلاق وغير ذلك، حينها سيتعرف العامل على الوجوه الإلهية الخاصة بمقام العمل، وبعض الوجوه ليس لمقام العمل حظاً منها، إنما يتجلى الحق بها في مقامات أعلى من ذلك.
إن معرفة الحق سبحانه لا تتم الا بمعرفة الوجوه الإلهية جميعاً، والا فستبقى معرفة ناقصة، يدخل معها العارف في بحر الحيرة والتيه.
لذلك فإن لتنوع الاعمال على ما يحمل من صعوبات وتضحيات لهو السبيل الامثل لأرباب العمل؛ لأجل التقرب من حضرة الحق ومعرفة وجوهه، وبالتالي التعامل الأكمل معه جل جلاله.
أما بالنسبة لتوسيع ساحة العمل، فلا ينبغي أن يكون الدافع هو ما تحتاجه الساحة من توسيع، إنما يكون توسعه على أساس مستوى التفاعل الإلهي، والدافع لتوسيع دائرة العمل، والذي يفيد منه العامل معرفة الأساليب الجزئية في تعاملات الحق، ويمحِّص من خلال التوسع، مخزونه من أدوات العمل وطرقه.
أما أن يكون التوسع ناجماً عن الدواعي المتولدة من العمل نفسه، ثم يتفاعل معها العامل، فهذه من مهالك كمال العمل، وهنا ينبغي على العامل الحذر، بل والرجوع لمولاه رجوعاً ولجوءاً.