التوفيق بين العلاقة والعمل 1

التوفيق بين العلاقة والعمل

من أشد مزاحمات العلاقة بالحق في المراتب العليا هو العمل، فعندما أطلعنا الحق على مراتب بعض عمال ساحته رأينا قصوراً في طريق العلاقة، وربما توقفت علاقة البعض في مرتبة معلومة.

إن الجمع بن الظاهر والباطن لا يكون الا بتوفيق إلهي خاص، فحينما يهدف العامل إلى نجاح عمله فسيلتفت كلياً أو غالبياً إلى شأن عمله، وبالتالي سينحرف عن عالم العلاقة بقدر التفاته الى عمله، وكلما توسع العمل صعب على صاحبه أن يهتم أو يلتفت الى جانب العلاقة.
لذلك ستقتصر العلاقة بالحق على الجانب العملي منها، ويستسقي من عالم الأمر ما يصب في تكميل عمله أو تثبيته أو توسيعه، وليس تكميل ذاته لأجل الغاية التكوينية.

ومن السُبل التي يقدر من خلالها العامل على إزالة ذلك التزاحم وجعل العمل موصلاً وليس بحاجب عن السير في مراقي العلاقة هي:

السبيل الأول: عدم التعلق أو الاستقرار على عمله، فإن تعلق العامل بعمله هيمَّن العمل على سائر كيانه، فيمسي عمله جزءاً من وجوده، حينها يجب عليه التضحية بعمله أو جزءاً منه إن لزم كماله ذلك.

والواجب أن لا يرفع عمله لأعلى من قيمته الواقعية، ولا يبني عليه أهدافاً مستقبلية، إنما هو ظرف أعده لاستنزال مراتب من القرب، ولا ينبغي أن يحيد عن هذا المعتقد.

السبيل الثاني: أن يجعل من العمل رابطاً في ساحة القرب من خلال الرجوع للحق، واللجوء اليه في كل مفردات عمله أو اغلبها، لا لأجل اخذ الأمر وإنما لأجل التواصل مع الحق، حينها سيتجاوز بعض الحجب التي يولدها العمل تجاه العلاقة.

السبيل الثالث: يجب أن يبصر العامل يد الحق التدبيرية إن كان من أصحاب هذه المرتبة في عمله ويقف على التداخلات الإلهية المناسبة لمرتبته، أما التداخلات الدنيا فلن تخدمه في مقامه هذا، وهو ما سيرتقي به إلى رؤية أنْ ليس له من الأمر شيئاً، ويشهد أن العامل الحقيقي والمسير لعمله هو الله جل جلاله، حينها يمحق أمله بعمله، ويتوحد أمله بالحق عز شأنه، ولا ينجرف إلى وهم الاستقلال، ولو على مستوى العمل.
السبيل الرابع: أن من خصائص العمل هو خلق داعية للتوسع والانتقال به من الأدنى الى الأعلى، من خلال ما يسفر عنه من تفرعات ونواقص تطلب كمالها، والعقل سيبادر إلى استغلال هذه الدواعي، ويعمل على ايجادها في عالم الشهادة، ويسارع الى سد نواقص العمل حين الوقوف عليها.

وهنا قد يفتح العامل على نفسه أبواباً لا طاقة له بها، فيمسي أسير عمله، بل عبداً له، ما يؤدي الى اضمحلال العلاقة الخاصة بالحق سبحانه.

في هذه الحالة يجب على العامل كبح رغبة التوسع التي واقعاً هي نابعة عن ذاته، فلا يتوسع مهما كانت قوة الدواعي لذلك إلا بعد أن يتمكن مما تحت يده من مراتب العمل وصوره، حينئذٍ لا مانع من التوسع التدريجي بالمقدار المستطاع والمقدور عليه، وينظر الى أثر هذا التوسع على علاقته الخاصة، فإن وجده مضيقاً لسبيل علاقته فعليه بترك التوسع والاقتصار على ما تحت يده.

السبيل الخامس: إن كان الدافع الذاتي قوياً تجاه العمل والتقدمة إضافة إلى مساندة بعض الشهوات الخاصة بمرتبته بحيث تمنعه كلياً عن الالتفات للعلاقة ولا ينفع معه علاجاً، هنا يجب عليه أن يترك العمل جملة وتفصيلاً، حتى يستبين أسباب ذلك من خلال ما يكاشفه الحق به، فقد يكون غير مستعداً للعمل الآن، أي أنه لم يبلغ المرتبة التي يستحق أن يتشرف بالعمل في ساحة الحق، أو أن العمل ليس هو المراد منه في علم الله تعالى، إنما أراد الحق ذلك العارف لأمر آخر، حينئذٍ يتوجب عليه الخروج من مقام العمل، وانتظار ما يفيض الحق عليه.

This Post Has One Comment

  1. غير معروف

    الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى على نعمة فيضكم وعطاؤكم سماحة أبانا الحبيب دام وجودكم

اترك تعليقاً