سماحتكم ورد هذا السؤال: في قول عن أمير المؤمنين (عليه السلام): {صيام القلب خير من صيام اللسان و صيام اللسان خير من صيام البطن}. كيف يمكن للعبد أن يحقق صيام القلب و يستمر عليه بعد شهر رمضان؟.
-إجابة سماحة الأب المربي الشيخ منتظر الخفاجي (دام عطاؤه).
سؤال جيد جزاك الله خير الجزاء، وإن كانت مرتبة صيام القلب هي مرتبة صعبة وليست بالهينة صراحةً، حيث ان هناك مقدمات معينة لمراتب الصيام يجب ان يمر بها الإنسان حتى يبلغ مرتبة صيام القلب، ومع ذلك نقول ان صيام القلب له عدة مستويات:
المستوى الأول: وهو مستوى التطهير القلبي – لنسميها على مستوى – التطهير من رذائل الأخلاق أو الحجب أو الرُيون، اي يصوم القلب عن – السماح بدخول هذه الامور – والتي تسبب بُعد القلب عن الله سبحانه وتعالى وتسبب تلويث القلب، هذا مستوى.
المستوى الآخر : مستوى عدم النظر القلبي لغير الله سبحانه وتعالى، فينقطع القلب عن كل ما سوى الله، (ما رأيت شيء إلا رأيت الله قبله و بعده و معه).
المستوى الثالث: بما ان القلب هو مسكن الرحمن فيجب ان يحصل تفريغاً تاماً للقلب، وحيث أن الصيام هو إنقطاع عن كل شيء، فيجب ان يحصل انقطاع في القلب وذلك بتفريغ كل ما هو موجود في القلب و إخلاء ساحة القلب للحق جل جلاله.
س/سماحتكم وهذا الصيام غير مقتصر في شهر رمضان؟
_لا، ليس له علاقة بشهر رمضان إطلاقاً، لكن خير البدايات ما كانت في شهر رمضان، وحقيقة هذا صعب على عامة الناس، نعم قد يستطيع أن يؤديه الخاصة، أما العامة فيصعب عليهم، لكننا نقول: لماذا طرحه الأمير (سلام الله عليه)؟، بمعنى انه عندما بينه و فصله لنا ماذا يريد منا واقعاً ؟، أكيد انه سلام الله عليه يريدنا أن نؤدي هذا المستوى من الصيام، ولا نقتصر على صيام البطن أو صيام اللسان أو صيام النظر، حقيقة ان كل ما ورد في صيام القلب يكون دافعاً نحو التوحيد، لهذا الصائم سيوحد الله سبحانه وتعالى في هذا الفعل، وسيوحِّده في النظر والسماع، سيوحِّد الله في قلبه، كذلك من ضمن صيام القلب هو عدم التعلق بغير الله سبحانه وتعالى، اي الصوم عن التعلقات بالامور والاشياء الدنيوية.
_س/أي شيء ما دون الله؟
نعم أي شيء، أنا متعلق بهذه و متعلق بهذه ! بينما المفروض انه انا اتعلق بالله سبحانه وتعالى فقط، وأنا نزلت الى الدنيا لأجل ماذا؟، لأداء رسالة إلهية، نزلت لأكمّل الصفات الناقصة، وأن أصل الى الغاية التي خلقني الله سبحانه وتعالى من أجلها، وليس لأجل أن أجمَع، لا بأس بجمع أدوات عملٍ، مثل كاميرا أو موبايل لا بأس بذلك، لكن ليس التعلق، انت أملك الدنيا كلها ولكن لا تتعلق بها، قلبك خاص لله سبحانه وتعالى، فقلبك هو حرم الله تعالى.
س/سماحتكم كان هذا صوم القلب، فما هو قولكم بصوم العقل وهل له موارد؟
صوم العقل هو قطع التفكّر بالأمور المُبعدة عن الله سبحانه وتعالى، صوم العقل – إن جاز التعبير – يكون كما قيل {أن تجعل همك هماً واحداً وتفكر فيه}، وإن كان هذا القول في مورد آخر لكن لا بأس بذلك، صوم العقل أن تجعل من العقل أداة لله سبحانه وتعالى بحيث تقطع كل الواردات والأفكار والخيالات المبعدة عن الله سبحانه وتعالى، فتصوم عنها، لا أن يكون عقلك مسرح لكل شيء، توسيع العقل لغير ما خُلق له شيء غير جيد أكيداً، على الفرد ان لا يفرح بأن لديه عقل كبير! كبير بماذا؟ بامور تافهة ! هذا ليس بكبير، اضرب مثلا وإن كان غير لطيف لكن سلة المهملات مهما كبُرت فهي سلة مهملات، العقل إذا كان مسرح للأفكار السيئة والهادمة و مسرح للخيالات الفاسدة و غيرها، فمهما كبُر سيكون عبارة عن ضرر، فيصوم الإنسان بقطع الأفكار وإن كانت نافعة ولكنها غير إلهية بمعنى انه يكون متوحد بالفكر تجاه ما يوصل الى الله سبحانه وتعالى، وحسب مرتبة الشخص، فكلما يصعد درجةً في ذلك يفتح له الحق مستوىً جديداً.