التَحصينُ مِن المَخاطرِ
ـ التحصينُ مِن المَخاطرِ الخارجيةِ: ونَقصِدُ بالمَخاطِر الخارجيةِ هي الأضرارَ والإنحرافاتَ الموجودةَ في المجتمعِ، فَيَحرِصُ رَبُّ الأُسرةِ على أنْ يُجنِبَ أُسرتَهُ كُل الأخطارِ والإنحرافاتِ التي تؤثِرُ سِلباً على أفرادِ أُسرَتِه، فيتخذَ الحيلَ والأساليبَ التي يَضمِنُ مَعها عَدم تأثرِ أُسرتِه بالأمراضِ والإنحرافاتِ الإجتماعيةِ، وهذا يَستلزِمُ أن يكونَ رَبُّ الأُسرةِ على دِرايةٍ تامةٍ بما هو موجودٌ في بيئتِه ومُجتمَعهِ مِن أمراضٍ ومَخاطرٍ، فيتخِذَ الخطواتَ التي تكونُ سهلةَ التطبيقِ ومقبولةً مِن قِبلِ أفرادِ أُسرَتِه ويَطرحَها بالطريقةِ التي تُثيرُ اهتمامَهُم.
ومِن تِلك الأساليبِ:
الأسلوبُ الأولُ: زيادةُ الوعيُ الأُسريُ، ويكونُ عَن طريقِ طرح الآفاتِ والمَخاطرِ الخارجيةِ وبيان أضرارِها وآثارِها السِلبيةِ على حياةِ الفردِ آنياً ومُستقبَلياً بياناً جَلياً، فإن كانَت العائلةُ مُتدينةً، فيُمكِنُ لرَب الأُسرةِ أن يستعينَ بِما وَردَ مِن النُصوصِ الشرعيةِ والدينيةِ والتي تُحذرُ مِن هذه المَخاطِرَ وما تُوصِلُ إليه دُنيوياً وأُخرَوياً، وأما إن كانَت العائلةُ غيرَ مُتدينةٍ حينَها يُمكِنُ للأبِ أن يَستعينَ بالأدِلةِ العقليةِ والتجريبيةِ لتبيانِ أضرارِ تِلك المَخاطرِ، فيَدخِلُ الأَبُ بِذلكَ مِن البابِ المُناسبِ لأُسرتهِ.
الأسلوبُ الثاني: رفعُ المُستوى العَقليُ، وذلِك بِأن يَعملَ رَب الأُسرةِ على رفعِ المُستوى العَقلي لإفرادِ أُسرتهِ بحيث يُصبِحُ مِن الصعبِ خِداعُهم أو إنجرارُهم النفسي وراءَ الأفعالِ السيئةِ والتصرفاتِ الطائشةِ.
ورفعُ الُمستوى العقليُ يَعتَمِدُ على كُثرةِ تَحريكِ العقلِ عن طريقِ الفِكرِ، فحينما يَتفكرُ الإبنُ في سلبياتِ وإيجابياتِ فِعلٍ مُعينٍ ويَصِلُ إلى بَعضِ النتائجِ، وإن كانَت خاطئةً، فإن هذه العمليةَ سوفَ تُساهِم في رفعِ مُستواهُ العَقليُ، وكذلِك سوفَ تُقويَ فيه غريزةَ التفكُرِ وتُثبتُ في عقلهِ مسألةَ التَرجيحِ والمُقارنةِ ويتَخِذُها مَنهَجاً يُطبِّقُهُ في كُل مَفاصِلِ حياتِه.
الأسلوبُ الثالثُ: تَسليطُ الضوءِ على الظواهرِ الإجتماعيةِ السَلبيةِ: في كُل فَترةٍ يتمخَضُ المُجتمعُ عن ظواهِرٍ سَلبيةٍ تأخُذُ حيزَها في المُجتمعِ سواءٌ أكانت هذه الظواهرُ وليدةَ ظروفٍ إجتماعيةٍ إو إنها مُستوردةٌ مِن خارجِ بيئةِ ذلك المُجتمعِ، فيُبينُ رَبُّ الأُسرةِ لأُسرَتِه هذه الظواهرَ ويوضِحُ أضرارَها وما تُؤدي إليه من سِلبياتٍ في حياةِ الفردِ، ويُبينُ لهم أيضاً السُبُل الفعالةَ لتَجَنُبِها؛ حينها سيكونُ قد حَصنَ أُسرَتَهُ مِن أضرارِ هذه الظواهرِ، وجَعلَ مِنهُم دُعاةً وناصحين لغيرِهم بتجنُبِ هذه السلبياتِ.
إن أغلبَ الطُرقِ التي يتَبِعُها أكثرُ أربابِ الأُسرِ في تَحصينِ أُسرِهم مِن المَخاطرِ الخارجيةِ قائِمٌ على أُسسٍ رَكيكةٍ، حيثُ تَجِدُ رَبَّ الأُسرةِ يفرضُ على أُسرتِه بعضَ التَصرفاتِ التي يَراها مُناسِبةً لتحصينِهم، فحينَما يَرى أحدَ أبنائِهِ مُصاحِباً لشخصٍ سَيئٍ فإنَّهُ يَمنَعهُ من مصاحبتِه بالفرضِ والإكراهِ، وهذهِ الأساليبُ الإكراهيةُ غالِباً ما تَبوءُ بالفشلِ، ففي المثالِ أعلاه قد يُخالِفُ الإبنُ إرادةَ أبيهِ، لأنه إما أن يَترُكَ صَديقهُ أو يُخالفَ أباهُ، وقد يَرى إنَّ تَركَ صَديقهُ أشدُ على نفسهِ من عصيانِ أبيهِ، وهذا قد يَفتَحُ بابَ العملِ بالخَفاءِ والذي سيُضعِفُ رابِطةَ الأُسرةِ، وقَطعاً… إنْ إكتَشفَ الأَبُ أن إبنهُ عصَى أمرُه – فسيُزيدُ ذلك الطينَ بِلةً – وسيُعاقِبُ الإبنَ عقوبةً تَزرَعُ في قلبِه الغيضَ مِن أبيِه. وقد جَربَ كثيرٌ مِن أربابِ الأُسَر ذلك حتى خَرجَ أبنائُهم عن طاعتِهم بالكاملِ.
إن تَجَنبَ هذهِ المشاكلَ والخروجَ مِن بوتَقتِها يَكمِنُ في القسمِ الثاني وهو:
التَحصينُ مِن المَخاطرِ الداخليةِ
وأعني بها صفاتَ وتَصرفاتَ الفردِ نَفسهِ، فإن أيَ فَردٍ حينما يَخرِجُ من بيتِه سيتَصرفُ وِفقاً لصِفاتِه الداخليةِ وسَجاياه النَفسيةِ، فإذا حَصّنتَ الأفرادَ صِفاتياً وزرَعّتَ فيهم أهدافاً ساميةً، فإن ذلك سينعكِسُ على شَخصيتِهم الخارجية، فحينما يَخرجُ إبنكَ إلى الشارعِ ستكونُ كُل أفعالِه وكُل ردودِها مُناسبةً ومساوقةً لصفاتِه الداخلية، وما يُخالفُ تِلك الصفاتِ سيبتَعِدُ عَنها تِلقائياً.
حينما يَزرَعُ رب الأُسرةِ في نفوسِ أُسرتهِ مَفهومَ النُصحِ ويَطلِبُ مِن إبنَهُ أن يَنصحَ أصدِقاءَه بكذا أمرٍ أو يُعلِمُهم كذا تَصرفٍ فسيخرجُ الإبنُ إلى الشارعِ وهو يَحمِلُ هَدفاً وغايةً، وحينما يَبدأُ بِنُصحِ أصحابِهِ وتعليمِهم الخير والصلاح وغيرها من المعاني الساميةِ فسوفَ يَتجنبُ بذلكَ الخطأَ ويَبتعِدُ عن أفعالِ السوءِ، حتى وإن كان أصدِقاءُه يَفعلونَ تِلك الأفعالِ، لأنه سوف يَخشى أن تَسقُطَ صورتُه في أعيُنِهم بل إن أصحابَهُ أنفُسُهُم سيتجنبونَ الأفعالَ السيئةَ أمامَهُ، حينها تكونُ قد حَصَّنتَ إبنَكَ دونَ فرضٍ أو إكراهٍ.
حينما تُقنِعُ إبنَكَ بأن يكونَ هو القائِدُ أو المَرجِعُ لأقرانِه، وتُعلمُه كيفيةَ أن يكونَ قائداً ومرجعاً لهم في مشاكلِهم وإحتياجاتِهم، فسوفَ يَتجنبُ كُلَّ فعلٍ يَخدِشُ تلك الصورةَ التي يُريدُ رَسمَها أو إنه رسمَها في مُخيلَتِهم.