الطرقُ الصحيحةُ لتلافي حدوث المُشكِلاتِ المنزليةِ

الطرقُ الصحيحةُ لتلافي حدوث المُشكِلاتِ المنزليةِ 1

أغلبُ الأُسرِ تَحدِثُ لديها مُشكلاتٍ تَختلفُ بينَ صَغيرةٍ وكَبيرةٍ وبعضُها يَقصِرُ والآخرُ يَطولُ أمدُه، وبطبيعةِ الحالِ ليس مِن عائلةٍ تُريدُ المُشكِلات وتَسعى إليها، وإنما تحدثُ المُشكلاتُ بسببِ أخطاءٍ أو سوءِ تَصرفٍ أو سوءِ مُعالجةٍ لإشكالاتٍ مُعينةٍ، فكثيرٌ من المشكلاتِ العائليةِ تَحدثُ لأسبابٍ تافهةٍ، وتَنشأُ من أمورٍ بسيطةٍ جداً، وبسبب التفاعِلُ الخاطئ مع المشكلةِ الصغيرةِ ـ في محاولةٍ لحلِها ـَ تتعاظمُ المُشكلةُ حتى تَخرُجَ عن السيطرةِ، ولو أنها تُرِكت بدونِ حلٍ لذابَت وأنتَهت تِلقائياً!.

فما هي الأسبابُ الحقيقيةُ للمُشكِلات المنزليةِ؟

حَسَب فهمي وتَتبعي وخاصةً للمُجتمعِ الذي أعيشُ فيه، فإن المُشكِلاتِ تَنشئُ من أمورٍ مِنها:

أولاً: حينما يُصبحُ الكبيرُ صغيراً في دورِهِ فإن ذلك سيُساهَمُ في خلقِ المُشكِلاتِ. فمثلاً: إذا تعامَلَ الأب، وهو الكبيرُ في الأُسرةِ الذي يتحتَمُ  عليه أن يستوعبَ من هو أصغرُ منه ويُداري صغرَهُ ،مع خَطأٍ صَدرَ من زوجتهِ، التي يُفترَضُ إنها أصغرُ مرتبة منهُ حَسبَ المِثالِ وليسَ واقِعاً!،أقولُ: إذا تعاملَ بنفسِ مُستوى الزوجةِ مع ذلك الخطأ، فإن الخطأ سَيجِدُ الأرضَ الخَصِبةَ ليتحولَ الى مشكلةٍ، فلو أن الكبيرَ حافظ َعلى كِبَرِه لأستوعبَ الخطأَ وتَرفعَ عنه وعن التفاعُلِ مَعه.

ثانياً: غيابُ العقلِ وتَصدّرُ النفسِ: وبيانُ ذلك: أن الخطأَ أو مُسبباتِ المُشكلةِ، حينما تَحدثُ في المنزلِ، فإنَ المرءَ يَستقبلُها أما بعقلهِ أو بنفسهِ، فإن أستقبلَها بنفسهِ، فسوفَ يُسببُ هذا الخطأُ إنفعالاتٍ نفسيةً، حينها وبإتخاذِ القرارِ على أساسِ تلك الإنفعالاتِ ستتولدُ المشكلةُ، لأن التفاعُلَ النفسي مع الأخطاءِ يُولِدُ مزيداً من الأخطاءِ.

وقد تَتفاقمُ بَعضُ المُشكلاتِ وتَخرجُ عن حدودِها، فمثلاً، لو أن إبنَك أخطأَ في تَصرفٍ ما وتفاعَلتَ أنتَ مع الخطأِ بالغضبِ أو برغبةِ الإنتقامِ أو أيِ أثرٍ نفسيٍ آخر، فإنكَ بذلك سوفَ تُعقِدُ الخطأَ في نفسِ الإبنِ مما يَضطَرهُ إلى إتخاذِ ردّةِ فِعلٍ نفسيةٍ أيضاً، وهنا ستتضاعَفُ المُشكِلةُ وقد تَخرجُ عن السيطرةِ، وهذا التَصرُفُ أدى الى كوارثٍ في بعضِ الأُسر ومِنها بعضُ حالاتِ إنتحارِ الأبناءِ والتي نشهدُها بِكثرةٍ هذه الأيام للأسفِ الشديدِ.

أما لو إستَقبلَ رَبُّ الأُسرةِ أيَّ حَدثٍ بعقلهِ فإن عقلَهُ سوفَ يَبحثُ تلقائياً عن الطريقِ الأنسبِ لمُعالجةِ الخطأ والخروج عن تأثيِره، وقد يخرجُ بعدةِ حلولٍ مُناسبةٍ، ويَتلافى حدوثَ المُضاعفاتِ التي تَنشأ من التفاعلاتِ غيرِ المُناسِبةِ مع الأخطاءِ.

ثالثاً: كذلك مما يُولِدُ المُشكِلاتُ الأُسريةُ هي: الأنانيةُ، وأعني مِنها أنانيةُ رَبُّ الأُسرةِ، فحينما يَجعلُ رَبُّ الأُسرةِ مَصلحتَهُ فوقَ مصلحةِ أُسرَتِه، فسوفَ تَتولدُ المشكلاتُ الأُسريةُ.

فكَثيرٌ من أربابِ الأُسرِ يَتوهمُ أن موقعَهُ مِن الأُسرةِ يُعطيهِ خصوصيةً لا يَنبغي لأحدِ أفرادِ أُسرَتِهِ أن يُشاركَه فيها، فيجبُ أن يَحصُلَ هو على الأفضلِ دائماً، ويجبُ أن يُعامَلَ مِن الكُلَّ مُعاملةً خاصةً وغيرَ ذلِكَ، فإن مُسّتْ هذه الخصوصيةُ المُدّعاةُ فسوفَ يَبدَأُ رَبُّ الأُسرةِ بخلقِ المُشكِلاتِ لأجلِ إرجاعِ خصوصيَتهِ، فيُعاقِبُ ويُسيءُ في القولِ والفعلِ، وقد يَجعلُ المنزِلَ جَحيماً، بسبب التقصيرِ في حُقوقِه.

وهذا ناشِئٌ عن الجهلِ الكبيرِ الذي يعيشُهُ رَبُّ الأُسرةِ سواءٌ كانَ الأبَّ أو الأُمَّ.

نَعم، إن مقامَ رَبُّ الأُسرةِ له خُصوصيةٌ، لا شكَ في ذلكَ، لكن ليسَت تلك الخصوصيةِ الوهميةِ المُدّعاةِ! إنما خصوصيةُ ربُّ الأُسرةِ وما يَفرِضُه موقِعهُ هو الإيثارُ والتضحيةُ وليسَ الإستغلالُ والتسلُطُ، فواجِبُ رَبُّ الأُسرةِ هو أن يُضحيَ بمصلحتِه لأجلِ مَصلحةِ قضيتِه، ألا وهيَ أُسرتُه، فيأكُلُ أدنى الطعامِ ويَتركُ أفضلَهُ لأُسرتِه، ويضحي براحتِهِ لأجلِ راحةِ أُسرتهِ، وهذهِ هي مسؤوليةُ رَبُّ الأُسرةِ مِنَ الإيثارِ والتضحيةِ، وليسَ العكسَ، ثُم إن التضحيةَ بمصالحِهِ لأجلِ مَصلَحةِ أُسرَتهِ ليس تَفضلاً مِنه، بل هذا ما يوجِبُه مَقامُه الذي إختارهُ بإرادتِه. فيجبُ أن يَعي الآباءُ حدودَ مسؤوليتِهم جيداً، فحينما يُقَدَّمُ الطعامُ الكثيرُ أو الأفضلُ للأبِّ مثلاً ويُقدمُ القليلُ للأبناءِ، يَنبغي على الأب، حينها، أن يرفُضَ ذلِك، وحينما تُقدِّمُ الأمُّ طعامَ الأبِّ قَبلَ الأبناءِ يَجبُ على الأب، حينها، أن لا يَقبلَ ذلك بل لابُدَّ أن يكونَ أولُ المُقدمين وآخِرُ المُستفيدين، ومِن هُنا نستطيعُ أن نقيسَ نسبةَ الإنحرافِ الأُسري الذي نَحنُ فِيه.

رابعاً: مِن مُسبباتِ المُشكلات أيضاً: غريزةُ حُب التسلطِ أو حُب السيطرةِ :

كُل قائدٍ أو مسؤولٍ يميلُ الى السيطرةِ على رعيتِه لأجلِ أن يُسيّرَ أمورَها بإنسيابيةٍ تامةٍ وبدِقةٍ كامِلَةٍ، وهذا من ضمنِ حقوق القائدِ أو المسؤولِ لضمانِ نَجاحِ مسؤوليتِه. لكِنا نسألُ: هل هذه السَيطرةُ أو التَسلطُ لها حدودٌ ؟ أم إنها مُطلَقةٌ ؟ وللقائِدِ أن يصِلَ إلى أقصاها؟ جوابُ ذلكَ: حَسب النظرةِ العُقلائيةِ والتجاربِ المُعاشةِ فإن التَسلطَ التامُ يَخلِقُ الجبابِرَة، ويَهُونُ معه الظلمُ والتجاوزُ على حقوقِ الآخرين، لأن التَسلطَ التامَ هو سَلبُ إرادةَ الآخرِ وإحلالُ إرادةَ المُتَسلطِ بدلَ إرادةَ الآخرِ، حينها، سَيمحو جُزءاً كبيراً من وجودِ رعيتِه، فيَمحو آمالَهم وإراداتَهم وأحلامَهم، ويتحولون الى مُسيرين لتحقيقِ غاياتِ المُتَسلطِ، وهذا من أشدِّ أنواعَ الظُلمِ، بل لن يُنتِجَ أيَّ نتيجةٍ إلا التَباعُدَ الفعلي بينَ القائدِ ورعيتِهِ أو بينَ رَبِّ الأُسرةِ وأُسرتِه.

أما مَسالةُ السيطرةِ على العائلةِ، فمن خِلالِ مَسيري في عالمِ التربيةِ: وجدتُ أن السيطرةَ محضُ وهمٍ وليس لها أيُّ وجودٍ في عالم الإنسانِ! ومَن يَعتقِدُ إنهُ مٌسيطرٌ على رعيتِه أو عائلتِه فقد تطرَّفَ في الحماقةِ!! فمَن ليسَ له السيطرةُ على إخراجِ الريحِ من بَطنِه فهو أعجزُ مِن أن يُسيطرُ على غيرِه!!!.

بَعضُ أربابِ الأُسرِ يُريدونَ أن يكونوا همُ المُسيطرين على أفرادِ أُسرِهم بحيث لا يفعلون فِعلاً إلا بموافقتِهم وإستشارتِهم، وحينّما يتصرفُ فردٌ من أُسرتِهم دونَ الرجوعِ إليهم ( الأبُّ أو الأُمُّ ) يَعتبِرُ رَبُّ الأُسرةِ ذلك إنتهاكاً لحدودِهِ وتَجاوزاً على سُلطتِه، فيُحاسِبُ ويُعاقِبُ، ويأخُذُ إجراءاتٍ إحترازيةً لكي لا يَتكررُ ذلِكَ الفِعلُ، وما كُل ذلِك إلا لتعلُقهِ بوهمِ حُبُّ السيطرةِ.

ولتجنُب ذلِكَ المرَضَ والخروجِ من آثارِه السلبيةِ يَنبغي على رَبِّ الأُسرةِ أن يَخطو الخُطوّاتِ التالية:

الخطوةُ الأُولى: إعطاءُ مساحةٍ مُعتدٍّ بها لأفرادِ الأُسرة، وأعني بها مساحةً في الخطأ، فليس بمقدورِ رَبُّ الأُسرةِ أن يَدفعَ الأخطاءَ عن أُسرَتهِ، ولو فرضنا إنه تَمكن مِن ذلك فسوف يَحرمُهم فواِئدَ الخطأِ ورؤيةَ ما وراءِه، لهذا يجِبُ أن يُعطى أفرادُ العائلةِ مساحةً للتحرُكِ لأجلِ أن تُصاغَ شخصيتُهم من خلالِ التجاربِ بنجاحاتِها وإخفاقاتِها.

الخطوةُ الثانيةُ: ليس بالضرورةِ أن يكونَ الأكبرُ سِناً هو الأفهمُ والأذكى والأدرى، فقد تَخرجُ فِكرةٌ من فمِ طفلٍ لن يتوصلَ لها الكهلُ طوالَ حياتِه، وعليه فإن رَبَّ الأُسرةِ الناجِحُ هو من يُزيلُ الموانعُ عن أفرادِ أُسرتِه ويُمهِدُ لهم الطرُقَ لأجلِ أنْ يُعبِّروا عن أفكارِهم وآرائِهم، ولا يستهينُ بفكرةٍ مهما كانت تافهةً في نَظرهِ أو غيرَ مَنطِقيةٍ، فمَن تعمّقَ في عالمِ الفكرِ سيتَيقنُ أنه ليس ثَمةُ أفكاراً تافهةً أو خاطِئةً بل إنَّ كُلَّ فكرةٍ تناسبُ مرتبةً عقليةً مُعينةً ،ثم أنَّ الوصولَ للفكرةِ المُناسبةِ للمقامِ لا يكونُ إلا بعدَ المرورِ بالأفكارِ الأدنى.

إنَّ السيطرةَ الحقيقيةُ هي التي تنبعُ من إحترامِ الرعيةِ أو الأُسرةِ للراعِي وليس مِن خلالِ الترهيبِ والتعذيبِ، فحينما يَظهَرُ الأبُّ أو الأُمُّ بصورةِ ذلك المُضحي لأجلِ أُسرتِه، المُقَدِمُ لمصلحتِهم على مصلحتِه، ويرونَ ذلك مِن خلالِ أفعالهِ ونصائحهِ ـ التي يَتبِعُ أهونَ السُبُلِ لإيصالِها- فإني أعتَقِدُ أنَّ أُسرَتَهُ ستعتبِرُه مرجِعَهم الأمثل، وسينظرون لكل ما يَصدرُ عنه بعينِ الإهتمامِ والإحترامِ.

اترك تعليقاً