تقويةُ الروابطِ الأُسرية
أيُّ رابطٍ مادي كان أو معنوي، إن طالَ به الأمدُ سيكونُ مُعرضاً للإرتخاءِ والضُعفِ ثُم الإضمحلالِ، لذلِكَ ينبغي العملُ على إدامةِ هذا الرابطَ لضمانِ بقائهِ وذلك عبرَ الأساليبِ والطُرقِ المُناسبةِ، ومن هذه الروابط الرابطُ الأُسريُ او قُلْ مَجموعةَ الروابطِ الأُسريةِ، كرابِطِ القُربِ، ورابطِ المحبةِ، ورابطِ العاطفةِ، ورابطِ الإحترامِ، ورابطِ تقديمُ الأصلح وغيرَها مِن الروابطِ التي تُبقي الأُسرةَ كُتلهً واحدةً.
فمِن واجباتِ رَبُّ الأُسرةِ وكذلكَ بقيةُ أفراد الأُسرةِ المُدركين، المحافظةُ على ديمومةِ الروابط الأُسريةِ عن طريقِ تقويتَها بإستمرارٍ وإستحداثُ الطُرقَ التي تؤدي إلى ذلِك، وأيضاً تجنيبُها المشاكلَ التي تؤدي إلى إضعافِها، والمَعني بذلك بالدرجةِ الأُولى هو رَبُّ الأُسرةِ ، حيثُ يكونُ لديه المقياسُ أو النظرةُ التي يَرى مِنها حالةَ روابطِ الأُسرةِ إن أصابَها ضعفٌ أو أصبحَ هنالِك تباعِدٌ بين أفرادِها، فيُبصِرُ ما يَحصلُ في رعيتهِ ثم يضعَ العلاجاتِ المُناسِبةَ لتلافي ما يحصلُ مِن أضرارٍ، وهذا لا يعني أن يَقتصِرَ رَبُّ الأُسرةِ على الإسلوبِ الدفاعي، وإنما يبتدِعُ ويستَحدِثُ طُرقاً تجعلُ العلاقةَ الأُسريةَ بتطورٍ وتَعمقٍ مُستَمرٍ، على أن تكونَ هذه الطرقُ ملائمةً للمرحلةِ التي تعيشُها العائلةُ لا أن يَفرضَ عليهِم طُرقَ مرحلتِه السابقةِ ويريدُ أن يُطبقَها على جيلٍ بَعُدَ كُلَّ البُعدِ عن قواعدِ وأسُسِ تلك الطُرقِ، نَعم بعضُ الطُرقِ العامةِ قد تُناسبُ أكثرَ مِن مرحلةٍ فلا بأسَ بالعملِ بها وليسَ الإقتصارُ عليها. ومِن أمثلةِ الطرق المناسبةِ لأغلبِ الأُسرِ:
أولاً: الإجتماعاتُ العائليةُ: أثبتَت التجاربُ أنَّ الاجتماعاتِ في الأُسرةِ الواحدةِ لها دورٌ كبيرٌ في تقويةِ أواصرَ الأُسرةِ وتعميق العلاقةَ بين أفرادِها، حتى وإن كانت هذه الإجتماعاتُ متباعدةً كمرةٍ واحدةٍ في الشهرِ، والاسبوعيةُ أفضلُ أكيدٌ.
أما طبيعةُ هذه الإجتماعاتِ فلا أنصحُ بتقييدها بآليةٍ محددةٍ، وإنما تكونُ جلساتٍ عامةً شاملةً لكُلِّ شيءٍ، من قبيلِ أن يُطرحَ موضوعٌ ويُناقَشَ مِن قِبَلِ كُلِّ أفرادِ الأُسرةِ، أو تُطرحَ قَضيةٌ تَهُمَّ صالِحَ العائلةِ, والمَطلوبُ أن يُتخذَ قرارٌ بمشاركةِ كُلِّ أفرادِ العائلةِ، أو يُطلَبُ مِن كُل فردٍ أن يَطرحَ موضوعاً ما, وحَسب ما يراهُ هو، وهكذا، فالأساسُ والغايةُ هو الإجتماعُ وقضاءُ الوقتِ مُجتَمِعين وأما الفائدةُ العلميةُ أو العقليةُ فتأتي بالدرجةِ الثانية.
ثانياً: ينفعُ في تقويةِ الروابطِ الأُسريةِ تأسيسُ مَجموعةٍ (كَروب) على مواقعِ التواصلِ الإجتماعي للعائلةِ خاصةً من قبيلِ ـ مجموعةِ واتس آب أو فايبر أو غيرها ـ وتشملُ كُل أفرادِ الأُسرةِ المُدرِكين، وتُطرَحُ في هذه المجموعةِ كُلُّ النشاطاتِ المُمكِنةِ سواءٌ الجادةَ مِنها أو المُسليةَ.
ثالثاً: إيجادُ مشاريعٍ مُشتركةٍ يُشاركُ فيها كُلُّ أفرادِ الأُسرةِ أو بَعضُهم مِمن لهُ القدرةُ على المُساهمَةِ في ذلِك المشروعِ ثُم إيجادُ مشروعٍ يُناسِبُ الأخرينَ، وهذه المشاريعُ قد تكونُ تجاريةً أو عِلميةً أو تَخصُ تطويرَ المنزلِ أو مشروعاً إنسانياً لمُساعدةِ المُحتاجينَ وغير ذلِك مِن الأمثلةِ. فحينما تَشترِكُ العائلةُ بمشروعٍ واحدٍ ويواجِهونَ كُلَّ مُلابَساتِ وتَحدياتِ المشروعِ سَوياً فإنَّ ذلك سيوصِلُ العلاقةَ إلى درجاتٍ عَميقةٍ جِداً وشامِلةٍ.
رابعاً: التسليّةُ واللعبُ المُشتركُ. رُبما هذه النقطةُ تنفعُ من هُم بسنِ الطفولةِ، وإن كانت التسليةُ في الوقتِ الحاضرِ لا تَقتصرُ على الأطفالِ بل أصبحَ البالغونَ ميالين للّعبِ والتَسليّةِ، وعليهِ فلا بأسَ أن يَجتمِعَ أفرادُ العائلةِ في تَسليةٍ مُعينةٍ، مِن بابِ تغييرِ الحالِ لدى الكِبارِ واللهوِ لدى الأطفالِ، فحينما يلعبُ الطفلُ مع أخيهِ أو أبيهِ فذلك يَعني إنهُ يَقضي أجملَ لحظاتِ حياتهِ معهُ، وهذا معناهُ زيادةٌ في توطيدِ العلاقةِ وزيادةٌ في عَددِ الذكرياتِ التي تَجمعُ العائلةَ.
وعلى رَبِّ الأُسرةِ البحثُ عن الطُرقِ المُتجددةِ في تمتينِ عِلاقةُ أفرادِ الأُسرةِ، فذلِك مِن جوهرِ مسؤوليتهِ.