تـمـهيـــــد
مما أوجب الله تعالى من الايمان به وبرسله وكتبه واليوم الآخر، وإرساله للرسل والأنبياء والمحدَثين لأجل ذلك، ليس سببه أنّ الله جلّ ذكره يُحب ذلك أو أنه محتاج إليه، حاشا وكلا، وليس الإيمان بهذه العناوين هو مفتاح لباب كرمه! بمعنى أن عدم الإيمان بها يوقف كرم الله تعالى! كلا، كرم الله أوسع من ذلك ولا يتحكم به شيء غير الإرادة الإلهية {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء : 20] فكرمه تعالى لا يحتاج إلى معرفته ونكران إرادته لا يوقف كرمه، فليس مسالة وجوب الإيمان بما أراد الله تعالى لأجل حصول الإنسان على النعيم سواء الدنيوي أو الأخروي فحسب، بل لو نظرنا إلى القدرة الكبيرة والغريبة والإمكانيات والاستعدادات التي وهبها الله تعالى للإنسان والتي من المحال أن لا يكون لوجودها غاية نجزم بأن المراد من الإنسان شيء كبير، ولا يقتصر على المفردات البسيطة للإيمان أو ما توحي به من أفعال عبادية وأخلاقية، نجزم عندما نرى القابلية على التغيير سواء الداخلي أو الخارجي بل الدافع للتغيير وعدم القناعة بأي شيء، المؤدي إلى عدم التوقف في مستوى واحد نجزم حينئذٍ أن وراءه شيء عظيم، لكن الوصول إلى هذا الشيء العظيم، الوصول إلى غاية وجود الإنسان والاتصاف بالصفات الحقة لا يكون كل ذلك إلا عن طريق الإيمان بتلك المفاهيم البسيطة من الإيمان بالله وصفاته وأفعاله، وبرسله وكتبه وسلطانه، هي ما جعلها الله مفاتيح حكمته، مفاتيح أبواب رحمته، فإن الإيمان بها وأداء ملازماتها من الأفعال العبادية والتي هي تثبيت لذلك الإيمان في القلب يجعلها داعية وموجبة لما هو أعمق منها وأسمى في طريق الإيمان أو طريق الغاية.
وليس الإيمان بها؛ لأن النظام الإلهي متوقف عليها! بل إيمان الإنسان وعدمه لا يشكل أي فرق بالنسبة لله تعالى، لكن الإرادة الإلهية تعلقت بتشريف الإنسان بالقرب من الحق جلّ جلاله، ثم كانت قابلية الإنسان للاكتساب حسب الخلقة لا تثمر إلا عن طريق هذا الإيمان أي الإيمان بهذه المعتقدات، فهي ليست غاية الكمال، لكن كما ذكرنا هي مفاتيح أبواب التكميل، لذلك توصل إلى أبواب متسلسلة من مدارج الإيمان، فكلما آمن الإنسان بمفهوم قربوي معين فُتح له مفهوم جديد وليس من توقف البتة.
وكتابنا هذا الموسوم بقواعد الإيمان هو بيان بعض الأسس التي أرساها الحق تعالى في طريق الإيمان وبينها في كتابه العظيم لمن أراد أن يقوي إيمانه بالحق تعالى ويزيد من يقينه بالمفاهيم المعنوية ويفعّل معتقداته من التسليم والتوكل وحسن الظن وغيرها؛ إذ من المفترض أن ضآلة المؤمن هي زيادة إيمانه فيكون دائم السعي والبحث للحصول على أي شيء يكون سببا في تقوية إيمانه وتقريبه من غايته التي وجد من اجلها.
فينبغي أن ينظر القارئ إلى هذا الكتاب على أنه كتاب عمل لا كتاب علم، أن يعتبره خطوة على طريق الإيمان فالواجب على من يقرأه أن يتوخى زيادة إيمانه سواء الفعلي أو ألاعتقادي ولو بمقدار حبة خردل، وليس المتوقع أن يجعل منه القارئ معلومة ويحشرها في زاوية من زوايا عقلة.
هذا، ونسأل القريب المجيب أن يجعل في هذه الوريقات شيئاً من الفائدة لعباده إذ لا فائدة إلا منه سبحانه إنه كريم قريب.
الغني بربه منتظر