قــاعـــدة اليُســـر
المدرك: قوله تعالى: { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح : ٦].
المفهوم: إن من الملازمات التي أفاضها الحق تعالى برحمته على صفاته هي ملازمة اليُسر مع العُسر.
وذلك بأن ما أصاب الإنسان من عُسرٍ سواء أكان مادياً أم معنوياً عقلياً أو نفسياً وعلى اختلاف مراتبه، فلابد من أن يلازمه يسراً وان اختلف مع عسره من حيث المفهوم أو ابتعد عنه من حيث التطبيق، بمعنى سواء كانت الملازمة آنية أو مؤجلة فانه لابد من وجود يسرٍ معقبٍ لذلك العسر.
واعتبار العسر هو من زاوية نظر الانسان المُعيّن واعتقاده، فكل ما يراه الانسان عسراً هو خاضع لهذه القاعدة وان كان في نظر غيره ليس بعسرٍ، لان هناك تفاوت بين الناس من جهة اعتبار الحدث الواحد عسراً او ليس بعسرٍ، فالبعض يرى العسر حالة طبيعية وهناك من ينظر الى العسر على انه وجه من وجوه اليسر وليس العكس. وأيضا ليس المنظور منه هو واقعه في العلم الإلهي اذ ان هذه المفاهيم منتفية في الواقع الإلهي.
والتلازم ما بين العسر واليسر، تارة يكون هو من نتاج العسر نفسه، وذلك من قبيل ما يبتلي الحق به عبده من عسرٍ فيكون اليسر منه بزوال ذلك العسر مجرّدا،ً وهذا فيما لو أنقص المعسر من حظوظ عطاء ذلك العسر، واعني بذلك ان نزول العسر في ساحة الانسان هو لأجل تحقيق فائدة معينة لذلك الانسان فإن تدخل الانسان بسوء تصرف فقد يفقد الفائدة او الأثر المترتب على ذلك العسر ولا يكون نصيبه من اليسر الإلهي الا الحد الأدنى وهو زوال العسر.
وتارةً يكون اليسر بما يفضي إليه العسر من فتح باب الالتجاء إلى الحق لدفع العسر مثلاً أو ذكره تعالى المؤدي إلى زيادة الرصيد الآجل أو التقرب العاجل.
وأيضا في بعض وجوه العسر ما يكون لأجل تغيير مسار ذلك الشخص النفسي او العقلي او القلبي، فكثير من العسر ما يكون عمله تصحيح مسير الانسان بما يرى الحق سبحانه من استحقاق ذلك الانسان، فيرسل اليه حالاً من العسر والذي غالباً ما يكون له الأثر الأكبر بتغيير مفاهيم كثيرة لدى الانسان، فقد يكون من آثاره تخلي الفرد عن اعمال معينة او عادات مستقرة او التجرد من بعض صفاته، وخاصة ان كانت هذه الصفات لا تُزال الا بتدخل الهي.
وهناك امر يجب ان لا يغفل عنه الفرد، وهو ان بعض العسر هو بطلب من الفرد نفسه، وذلك حينما يطلب تغيير بعض احواله الحياتية فيكون العسر هو رسول التغير من قبل الله سبحانه، وانحصار التغيير بذلك العسر يرجع الى ضيق المساحة المعطاة من قبل الانسان لله تعالى.
التطبيق: على من أراد العمل بهذه القاعدة وكسب نتاجها أن يعلم جوهر القاعدة هو اليقين بهذه القاعدة على انه كلام حق ونظام اقره الله تعالى وضع له اسسه. وعليه يكون العمل بموجب هذه القاعدة وهو النظر بعين اليقين ان هناك يسر مصاحب لهذا العسر، بل ينبغي ان يكون محط نظره هو ذلك اليسر ولا يجعل من وطأة العسر حاجباً ومانعاً عن رؤية اليسر واليقين بوجوده. فالإنسان حينما يخرج من هيمنة وسلطان العسر فَسَيلج باباً يرى من خلاله سبب نزول ذلك العسر وما مؤداه وما أثره في حياته، لكن الانسان عادة ما يغفل حين نزول النوازل.
فالعسر الذي يطرأ على حياتنا ليس المراد الإلهي منه هو تعسير شؤوننا وخططنا بدليل قوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة : ١٨٥]. فنفهم من ذلك إن العسر وكل عسر إنما هو الباب الأصلح في بعض الموارد لنزول العطاء الإلهي المتمثل باليسر سواء فهمنا هذا اليسر انه اليسر الدنيوي أو اليسر الأخروي المصاحب للعسر الدنيوي.
فمن التفت إلى هذه القاعدة قل جزعه في مواطن العسر؛ لأنه على يقين من أن سبب العسر هو عطاء إلهي بغير عمل إنما هو منة منه سبحانه، عندها يرتقي الإنسان مرتبة في سُلّم الإيمان.
واليسر هنا هو ما يراه الحق تعالى أصلح لعبده فان رأى الأصلح له زيادة التيسير الدنيوي يسر له ذلك أو رأى زيادة التيسير الأخروي فتح له ذلك وله المنة في كل ذلك.
والذي يتوقعه سبحانه منا ان نكون على قدر فهم المراد الإلهي الحقيقي من العسر.
وعليه، فعلى المرء الذي يمر بعسر أن يتيقن أشد اليقين أنّ وراءه يسر.
شكرا لله
ادام الله تعالى وجودكم في ارضه
ادام الله تعالى وجودكم
ادام الله تعالى وجودكم المبارك ابانا الحبيب.
ادام الله تعالى وجودك