المعصــوم لا يمثـــل
إن الفَهم المشهور والمرتكز عند عامة الناس وحتى عند علمائهم، أن استغفار المعصوم هو من باب التربية وإرشاد العباد إلى أهمية الاستغفار، لأن المعصوم لا يصدر منه الذنب لكي يكون هنالك موجباً للاستغفار، فليس ثمة حاجة حقيقية للاستغفار.
لكن من جهة ثانية ربما استفاضت الأخبار بما من شأنه أن يغاير هذا الفهم ، فإن أكثر الأخبار والروايات التي تُبين لنا حال المعصوم حين استغفاره تُخرج الاستغفار من استغفار تعليمي الى استغفار حقيقي، إذ أن مسالة التعليم عادة ما تكون مسألة عقلية خالصة، وما ورد عن حالهم -عليهم السلام- من البكاء واصفرار الوجه وارتعاد الفرائص ما يجعلها حالة استغفار حقيقية وليست تعليمية محضة بل لا يوجد مائز يميزها عن الاستغفار الحقيقي، إن لم يكن العكس، نعم صدرت منهم أمور تعليمة عن طريق الإرشاد والوعظ في هذه المسألة، لكنا نتكلم عن حالته حين الاستغفار، وربما كان في معزل عن الناس وما شُوهد إلا مصادفة .
إن ما نسمعه عن أحوالهم حينما يستغفرون هو أعلى وارفع درجات الاستغفار حالاً ومقالاً وليس هو الأدنى لكي ننسبه إلى التعليم، وقد وروي عن الإمام الكاظم عليه السلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: (…. طال هجوعي وقلّ قيامي وهذا السَّحَر وأنا أستغفرك لذنبي استغفار من لم يجد لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا موت ولا نشورا) [جامع احاديث الشيعة ج-5 ص-326]. وكان الرسول الأعظم يستغفر الله تعالى في اليوم سبعين مرة، وقد ورد عنه: (إنه ليُغان على قلبي حتى استغفر الله تعالى في اليوم والليلة سبعين مرة) [ بحار الانوار ج25 ص-204].
وهذا ما يجعلنا نقف مترددين أمام الفهم المشهور، ولكن عدم مجاراة المشهور ربما يوقعنا في المحذور.
أقول: إن جواب ذلك قد نجده في الفهم الذي طرحة الشهيد الصدر -قدس سره – والذي يرتقي بنا عن ذلك الفهم البسيط، وملخصه: يقول قدس سره – في محاضرة الأئمة أمناء الله تعالى-
(من جملة التفسيرات لاعتراف المعصومين سلام الله عليهم بذنوبهم، أنه ربما حصل في هذا الكون كله شيء من الخطل والزلل مهما قلَّ ولو في إلكترون يدور حول النواة، يستغفر الإمام طبعاً لأنه كله تحت إشرافه).
– وله المنة –