جلسات رمضانية مع سماحة الأب المربي

الشيخ منتظر الخفاجي

( الجلسة السابعة )

جلسات رمضانية مع سماحة الأب المربي الشيخ منتظر الخفاجي ( الجلسة السابعة ) 1

   سماحة الاب المربي الشيخ منتظر الخفاجي. ورد في كتاب سماحتكم الموسوم ومضات تربوية عن ( الصوم لله تعالى ) قولكم: ينبغي تخلية القلب وتنزيهه عن مسببات الشر والفساد وهي الصفات الدانية والأخلاق الرذيلة ونود من سماحتكم ان تبينوا لنا بعض مراتب تخلية القلب؟.

إجابة سماحة الاب المربي:

   جزاكم الله خير الجزاء على هذا السؤال وواقعا هو سؤال مهم جدا ، ان من افضل الاعمال وأكمل الأفعال التي يؤديها العبد سوآءا أكان في شهر رمضان أو غيره من الأشهر هي أعمال التزكية أو التجرد من رذائل الصفات ودواني الاخلاق ، وحيث ان منشأ كل الأفعال التي تصدر من الانسان هي الصفات والسجايا الموجودة في باطن الانسان لذا فإن هذه الصفات ان كانت صفاتاً حسنة فانه سيصدر منها افعالا حسنة وبالعكس ان كانت صفاتا سيئة فإنها ستوّلد افعالا سيئة أكيداً ، اما اذا أراد الانسان ان يولد افعالا تخالف سجاياه وصفاته الباطنية السيئة ويظهرها افعالا حسنة فانه حينئذ سيحتاج الى مكابدة ومجاهدة وتكّلف كبير حتى يصدر فعلاً مخالفاً لسجاياه ، كما يفعل المنافق مثلاً .

   انا اجد ان أشرف الاعمال هي بلا شك أعمال التزكية والتحلي بالاخلاق الفاضلة أو العليا، حيث ان الانسان من خلال وجوده في هذه البيئة ، عالم الدنيا ، له قابلية كبيرة  للاكتساب منها فيكتسب الحسن والسيْ والخبيث والطيب وهكذا وينتج عن ذلك الاكتساب حصول تعلق بالكثير من الأمور وتغييرا في كثير من صفاته  التي نزل بها من العالم الذي سبق عالمنا هذا ( طبعا ليس تغييرا جذريا لو جاز التعبير كونها صفاتا ذاتية يصعب تغييرها بذلك العمق ) لذا فان العاقل من يجعل من شهر رمضان منطلقا لاستهداف غاية محترمة وسامية  الا وهي تهذيب صفاته الباطنية  فيبدأ في محاولة معرفة نفسه ماهي الصفات الموجودة في باطنه من رذائل وفضائل، وهو امر ليس مستصعب لقوله تعالى {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [ القيامة : 14 ] فيعرف ما هي الصفات الحسنة والسيئة الموجودة فيه والتي تتولد منها افعاله والتي على أساسها سيقيمّه الناس من حوله فيحبوه أو يكرهوه والتي على اساسها أيضا سيقيّمه اهل السماء فيحبوه أو يكرهوه ..الخ  حينئذ ان رأى فيه تلك الصفات السلبية السيئة فانه يجب عليه ان يبادر للتخلص من تلك الصفات فمثلا لو وجد ان لديه صفة التكبر ورأى ان هذه الصفة تسبب له ابتعاد الناس عنه او تسبب له سيئاتٍ تسجلها الملائكة الكتبة أو تجعله عبدا غير محترم من قبل ربه الله سبحانه وتعالى أو غير ذلك، باعتبار ان هذه الصفة واقعا هي مرض ولا يوجد هناك من يحب المرض أكيدا، حينئذ هو سيسعى للتخلص من صفة التكبر بغض النظر عن دافع هذا السعي ان كان من اجل فائدة دنيوية أو آخروية أو معنوية يعني مثلا يريد ان يتخلص من هذه الصفة كي يحبه الناس لا باس بذلك المهم ان يسعى للتخلص من هذه الصفة ، فكيف نستطيع ان نغير هذه الصفات ؟ أقول: ان المتعارف عليه عند اهل الاختصاص: ان توليد صفةً  ما  ينتج من تكرار الأفعال المناسبة لتلك الصفة أو الأفعال المتولدة عن تلك الصفة، مثلا نريد ان نوّلد ونثبت صفة الكرم فانه يجب علينا ان نواظب على أفعال الكريم الى ان تكون هذه الأفعال محببة لدينا ، طبعا الوصول الى تثبيت صفة الكرم في مثالنا هذا يكون على مراحل :

   المرحلة الأولى : وفيها يكون فعل الكرم والانفاق فيه صعوبة لوجود صفة البخل وعرقلتها لفعل الكرم .

   المرحلة الثانية : والتي تكون بعد مدة من المرحلة الأولى حيث يبدأ فعل الكرم  بأن يكون طبيعيا ويتحقق بسلاسة وبدون تكلف ومكابدة .

    المرحلة الثالثة : انه سيحب فعل الكرم.

    المرحلة الرابعة : انه سيدمن على فعل الكرم فتثبت عنده صفة الكرم وتصبح صفة ذاتية وقطعا ستنتفي وتزول صفة البخل منه.

   من ذلك نقول ان الانسان اذا أراد ان يكّمل شخصيته فانه يحتاج الى ان يعرف نفسه وما هو موجود في داخله وكيانه ثم يميز بين رذائله وفضائله ثم يحاول ان يتجرد ويتخلص من هذه الرذائل عن طريق العمل بما يُضاد هذه الرذائل مع تكرار هذا العمل، وهذا من طرق التخلية على المستوى الاولي حيث توجد طرق أخرى هي أعلى من ذلك قد يطول مقام الحديث عنها.

اترك تعليقاً