جلسات رمضانية
الجلسة السادسة

سماحة الشيخ منتظر الخفاجي، ورد في كتاب سماحتكم الموسوم ومضات تربوية عن (الصوم لله تعالى) قولكم: ( ينبغي تخلية القلب وتنزيهه عن مسببات الشر والفساد وهي الصفات الدانيّة والأخلاق الرذيلة ) ونود من سماحتكم ان تبينوا لنا بعض مراتب تخلية القلب؟
الجواب:
جزاكم الله خير الجزاء على هذا السؤال فهو سؤال مهم جداً، إن من أفضل الاعمال وأكمل الأفعال التي يؤديها العبد سواءاً أكان في شهر رمضان أو غيره من الأشهر هي أعمال التزكية أو التجرد من رذائل الصفات ودواني الاخلاق، وحيث ان منشأ كل الأفعال التي تصدر من الانسان هي الصفات والسجايا الموجودة في باطن الانسان؛ لذا فإن هذه الصفات ان كانت صفاتاً حسنة فانه سيصدر منها افعالاً حسنة، والعكس ان كانت صفاتاً سيئة فإنها ستوّلد افعالاً سيئة أكيداً، أما اذا أراد الانسان ان يولّد افعالاً تخالف سجاياه وصفاته الباطنيّة السيئة ويظهرها افعالاً حسنة فإنه حينئذ سيحتاج إلى مكابدة ومجاهدة وتكّلف كبير حتى يصدر فعلاً مخالفاً لسجاياه ، كما يفعل المنافق مثلاً.
أنا أجد أن أشرف الاعمال هي بلا شك أعمال التزكية والتحلي بالأخلاق الفاضلة أو العليا، حيث ان الانسان من خلال وجوده في هذه البيئة ــ عالم الدنيا ــ له قابلية كبيرة للاكتساب منها، فيكتسب الحسن والسيء والخبيث والطيب وهكذا، وينتج عن ذلك الاكتساب حصول تعلق بالكثير من الأمور وتغييرٍ في كثير من صفاته التي نزل بها من العالم الذي سبق عالمنا هذا ( طبعا ليس تغييراً جذرياً لو جاز التعبير كونها صفاتاً ذاتية يصعب تغييرها بذلك العمق ) لذا فان العاقل من يجعل من شهر رمضان منطلَقاً لاستهداف غاية محترمة وسامية ألا وهي تهذيب صفاته الباطنيّة فيبدأ في محاولة معرفة نفسه وماهي الصفات الموجودة في باطنه من رذائل وفضائل، وهو أمر ليس مستصعب لقوله تعالى (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) فيعرف ما هي الصفات الحسنة والسيئة الموجودة فيه والتي تتولد منها أفعاله والتي على أساسها سيقيمّه الناس من حوله، فيحبوه أو يكرهوه والتي ايضاً على أساسها أيضا سيقيّمه أهل السماء فيحبوه أو يكرهوه ..الخ؛ حينئذ إنْ رأى فيه تلك الصفات السلبية السيئة فإنه يجب عليه أن يبادر للتخلص من تلك الصفات، فمثلاً لو وجد أن لديه صفة التكبر ورأى أن هذه الصفة تسبب بابتعاد الناس عنه، أو تسبب له سيئاتٍ تسجلها الملائكة الكَتبَة، أو تجعله عبداً غير محترم من قِبَل ربه الله سبحانه وتعالى أو غير ذلك، باعتبار أن هذه الصفة واقعا هي مرض ولا يوجد هناك من يحب المرض أكيداً، حينئذ هو سيسعى للتخلص من صفة التكبر بغض النظر عن دافع هذا السعي إن كان من أجل فائدة دنيوية أو أخروية أو معنوية، يعني كمن يريد ان يتخلص من هذه الصفة كي يحبه الناس، لا باس بذلك المهم هو السعي للتخلص من هذه الصفة.
فكيف نستطيع أن نغير هذه الصفات؟ أقول: ان المتعارف عليه عند أهل الاختصاص ان توليد صفةً ما ينتج من تكرار الأفعال المناسبة لتلك الصفة أو الأفعال المتولدة عن تلك الصفة، مثلا نريد ان نوّلد ونثبّت صفة الكرم فإنه يجب علينا أن نواظب على أفعال الكريم إلى ان تكون هذه الأفعال محببة لدينا، طبعاً الوصول إلى تثبيت صفة الكرم في مثالنا يكون على مراحل:
المرحلة الأولى: وفيها يكون فعل الكرم والانفاق فيه صعوبة لوجود صفة البخل وعرقلتها لفعل الكرم.
المرحلة الثانيّة: والتي تكون بعد مدة من المرحلة الأولى حيث يبدأ فعل الكرم بأن يكون طبيعيا ًويتحقق بسلاسة وبدون تكلف ومكابدة.
المرحلة الثالثة: انه سيُحب فعل الكرم.
المرحلة الرابعة: فيها سيعتاد الفرد وربما يُدمن على فعل الكرم، فتثبت عنده صفة الكرم وتصبح صفة ذاتية، وبالتالي ستنتفي وتزول صفة البخل منه.
ومن ذلك نقول: الانسان إذا أراد ان يكّمل شخصيته فإنه يحتاج إلى ان يعرف نفسه وما يوجد في داخله وكيانه، ثم يميز بين رذائله وفضائله، ثم يحاول ان يتجرد ويتخلص من هذه الرذائل عن طريق العمل بما يُضاد هذه الرذائل مع تكرار هذا العمل، وهذا من طرق التخلية على المستوى الاولي حيث توجد طرق أخرى هي أعلى من ذلك قد يطول مقام الحديث بشرحها.
شارك هذا الموضوع:
- انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة) فيس بوك
- انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة) Telegram
- انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة) WhatsApp
- النقر للمشاركة على X (فتح في نافذة جديدة) X
- اضغط للمشاركة على Pinterest (فتح في نافذة جديدة) Pinterest
- اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة) طباعة