لفتات قرآنية

لفتات قرآنية 1
قوله تعالى
{…فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} الزمر
فقد بدأ الموضوع بكلمة “العباد” أي عبادي، فكأنّ القرآن يريد أن يقول إنّ عباد الله هم كذلك، أي أنّ عبودية الله تُلازم أنّهم {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} فلم يقل “يسمعون” وفرق بين السماع والاستماع.
“السماع” يعني أن يسمع الإنسان صوتاً ولو لم يرغب في سماعه و “الاستماع” هو الاصغاء والسماع الاختياري، كأنّك قد جلستَ في هذا الموضع وأنتَ مستعدٌ للسمع، فيُقال في باب الموسيقى إنّ السماع ليس بحرام والاستماع حرامٌ.
القرآن يقول: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} يعني أنّهم في أوّل الأمر يستمعون ويتلقّون الأمر بدقة، لا أنّهم يردّون الكلام قبل أن يستمعوه جيداً ولم يفهموا معناه.
{فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ثم أنّهم يُميّزون بين هذا الكلام ويختبرونه، وبعد التحليل والتفصيل بين حُسنه وقبحه، ينتخبون أفضله ويتبعون أحسنه.
وأساساً الآية تشير إلى استقلال العقل والفكر، وأنّ الفكر هو الذي يجب أن يقوم بعملية الغربلة، وأنّ الانسان ينبغي له أن يمتحن مسموعاته، ويُميّز بين الجيّد والرديء والحسن والقبيح، وينتخب الأحسن ويتبعه.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} فالقرآن الكريم يُعبّر عن هذه الهداية مع أنّها هداية عقلية بأنّها هداية إلهية.
{وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} ألباب: جمع لُب، واللبّ يعني المخ ومركز الشيء، فنقول لبّ الفاكهة ولباب الحنطة، ويكون المعنى أعمّ من المخ، وهذا المعنى لعلّه من اصطلاحات القرآن الخاصة (لأنّنا لم نجد هذا الاصطلاح في غير القرآن) ولو لم يكن مختصاً بالقرآن، فإنّ القرآن الكريم قد استعمل هذا الاصطلاح بكثرة.
أي التعبير عن العقل بـ “اللب” وكأنّه يُشبّه الإنسان بالثمرة أو الجوزة، فأصله ووجوده الحقيقي إنّما هو في لبّه وما في باطنه، فلو نظرنا إلى هيكل الإنسان بأجمعه نرى أنّ لبّه هو العقل والفكر، فإذا كانت الجوزة خالية من اللّب أو أنّ لبابها فاسد، فنقول أنّها جوزة فارغة ويجب طرحها بعيداً
وكذلك الإنسان بدون عقل، فالملاك والمقوّم لإنسانية الإنسان، هو لبّه وجوهره، وهو العقل، وبدون ذلك يكون الإنسان فارغاً، يعني أنّه بصورة الإنسان وليس له معنى الإنسان.
وبحسب هذا التعبير، فإنّ معنى الإنسان يساوي عقل الإنسان، وهذا يُبيّن أهمية العقل، وإنّما يكون عقل الإنسان عقلاً، إذا كان مستقلاً.
{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} فلا يوجد تعبيرٌ أفضل من هذا التعبير في مورد دعوة الإنسان الى استخدام عقله واستقلاله حيث ينبغي أن يكون مستقلاً وله القدرة على النقد والانتقاد، وبإمكانه تحليل المسائل، والشخص الذي يفتقد هذه الموهبة، فهو لا شيء.
◾️ المصدر: كتاب “التعليم والتربية في الإسلام” للشيخ مرتضى مطهري (رض)
 
الى هنا ينتهي تفسير الشيخ مرتضى مطهري(رض) ونقول ايضاً إن الغاية من خلق الانسان هي العباده قوله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ) 56 ( الذاريات ) وللعباده مستويات عديده جداً ومتفاوتة بين فرد وأخر وفي هذه الايه يشير الله عز وجل الى مستوى من العباده يصلها العابد بعد مايسيطر على عالم النفس والشهوات ويتحرر حيث في هذا المستوى يكشف الله لعبده حقيقة الخير والشر ويبدأ بتمييز الحق من الباطل بنظرة دقّيه فيكتمل لديه العقل بدرجة متقدمة ويبدأ بإتباع احسن القول وهو الصراط المستقيم وهذا أنما بفضل الله وهدايته كما جاء في أخر الآيه ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) .

اترك تعليقاً