من القضايا الجوهرية التي ينبغي على العامل الوقوف عليها، هي قضية تبدل الأنظمة الجزئية، والتي يجب على كل عامل أن يكون ملتفتاً لها لأجل أن يخلق تسايراً عملياً بين النظم المستحدثة وبين سريان عمله.
أن الأنظمة والقوانين الإلهية التدبيرية هي أدوات ووسائل تضمن وصول الخلق الى مراتب الكمال المقدرة، فحيمنا يبلغ المخلوق –جنس المخلوق سواء أكان له صورة جسمانية أم لا- مرتبة الكمال المنصوصة حينها قد تنتفي فائدة صورة النظام الجزئي الذي أوصل ذلك المخلوق الى الغاية، وهنا يُحدث الحق جل جلاله تبديلاً او تغييراً لذلك النظام.
وكذلك فإن بعض الأنظمة التي تصل الى كمالها الأعلى، أي انها وصلت الى نهاية عمرها المقرر لها؛ حينئذ لابد أن تستبدل هذه الأنظمة بغيرها. ونظراً لذلك على العامل أن يعي هذا الامر ويساوق ما يحدث من تغيرات على أنظمة العمل، ويُحوّل عمله على أساس ما يبدع الحق من أنظمة جديدة، والا فإن عمله سيتخلف كثيراً في احراز نتائجه وقد يتوقف نهائياً.
وقد رأينا بهذا الشأن بعض عمال الحق تعالى ممن عمل على وفق نظام سابقٍ وعند تبدل النظام لم يعدلوا الى النظام الجديد، وحينما بينا لهم ذلك، صعب عليهم الامر. والسبب في ذلك يرجع لأمور:
أولا:ً ان مكوث العامل لفترات طويلة في التعامل مع نظام واحد، يجعل من ذلك النظام جزءاً لا يتجزأ من كيانه وثابتاً من ثوابت وجوده العملي، ومنه يصعب عليه الانسلاخ عن ذلك النظام والتحول الى آخرٍ مغايرٍ.
ثانياً: أحياناً لا يتحمل العامل الذي قضى عشرات السنين في عمل ما، البدء بتأسيس عمل جديد وفق مقتضيات أنظمة جديدة، حيث سيتطلب منه ذلك هدم بعض اركان مملكته وإعادة تشيدها وفق متطلبات جديدة، وهنا قد لا يستطيع العامل مجاراة هذه المستحدثات، خاصة وأن فترة قوته صرفها في بناء عمله السابق وفق النظام الذي اعتاد عليه.
ثالثاً: إن بعض صعوبات التنقل بين الأنظمة حين التبدل يعود الى الضعف الصوري والجسماني إزاء ما يتطلب النظام الجديد، والذي يجد العامل صعوبة في مواءمة وضعه الصوري أو الجسماني مع ما يطلب النظام الجديد، -ولا نقول باستحالة ذلك وانما صعوبته- حينها يقدم العامل عجزه عن مسايرة النظام الجديد، وهذا يستدعي بلسان العجز البقاء على نظامه القديم حتى يُحدث صاحب النظام تغييراً من جهة العامل لإزلة الموانع الحائلة دون تطبيق النظام الجديد، أو يتم استبدال العامل بغيره، ويُصرف لما يناسب وضعه.
إذاً يجب على كل عامل في ساحة الحق، في العالم الأعلى أو الأدنى، أن يكون مستعداً لتغيير كل ما يقتضي التغيير على أساس ما يحدث الحق من تغيرات في الأنظمة، وهذا الاستعداد يجب أن يكون من ثوابت عقائده منذ بدأ ولوجه لمقام العمل، ولا يستقر على نظام أو منهاج أو مفردات عملية، فإن التغيرات الشأنية تستلزم تغييرات كل ما في دائرة الوجود ما دون الذات المقدسة.
ثم ان الحق سبحانه ناظرٌ في قضية تبدل الأنظمة للفائدة الكمالية للعامل بالدرجة الأولى، إذ البقاء على نظام واحد يقلل أوجه العطاء والتكميل، ويضيّق دائرة الاقتراب؛ لهذا فإنا نرى ان الفائدة الأولى والكبرى في قضية التبدل ترجع على العامل نفسه ثم يُفاض منه على ما يرتبط به من مراتب الخلق. أضف الى ذلك قد تكون المراتب العملية العليا متوقفة على هذا التبدل، وأعني بها المراتب العملية التي يسعى العامل لبلوغها، فربما استدعت نزول نظام جديد لأجل أن يبلغ العامل تلك المرتبة التي تكون فيها تقدمته للحق أنقى وأطهر، وهذا ايضاً يتحصل من خلال عملية تبدل الأنظمة أو على أقل تقدير فأن للتبدل أثراً في ذلك.
هذه أهم الأمور التي ينبغي على من رام العمل في ساحة الحق أو نزل إلى ساحة العمل في المستوى الأولي منه أن يحيط بها علماً، وان يأخذها في حسبانه، فبها من الفوائد ما يمنع سقوطه أو انحرافه أو ابتعاده عن حضرة الحق وسبيل الغاية. وهي تنفع أرباب المراتب الأولية من العمل، وإن كان بعضها يتجاوز هذه المراتب.
نحمد الحق سبحانه على ما شرفنا به وجعلنا سبيلاً لإظهار بعض إرادته الى خلقه. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
تم الفراغ منه في يوم عرفة التاسع من ذي الحجة الحرام
لعام 1439 الموافق 21 – 8- 2018
منتظر الخفاجي
النجف الاشرف